التوقيت الأحد، 05 مايو 2024
التوقيت 05:00 ص , بتوقيت القاهرة

بناء شاهق على قواعد مهترئة

 في مجال أمن المعلومات، تخصصي الدقيق، يوجد مبدأ اسمه الأمن عبر السرية. (security through obscurity).


 الاعتماد على هذا المبدأ في العمل خطير جدًا لأن الشركة أو البنك يعتمد في حماية أسراره على أكواد أو شفرات سرية، وإذا انكشف هذا الكود أو الشفرة انهار كل شيء اُستخدم فيه.


وفي الغالب تكون هي الأساس وكل جوانب أمن الشركة أو البنك مبنية عليه. انكشافه أو "اختراقه" يؤدي إلى انهيار كامل لنظام الحماية، فقد تُسرق معلومات أو تضيع أرقام حسابات أو تتداخل أو تتسرب أرقام بطاقات الائتمان؛ مما يتسبب في خسائر مالية فادحة، وتتضرر سُمعة المُنشأة.


كشْف هذا الكود ليس صعبًا، الهاكرز في الغالب يستخدمون طريقة تُسمى الهندسة العكسية لكشفه. إذن ما الحل؟


 الطريقة الصحيحة والآمنة هي أن تستخدم "كود" منشورا ومُختبرا من قبل الهاكرز والباحثين وخبراء أمن المعلومات. وإذا لم يتمكن أحد هؤلاء من كسر هذا الكود، عندها يستطيع البنك استخدامة لتشفير بياناته السرية وهو مطمئن. بمعنى أنه لا يجب أبدًا الاعتماد على كودات سرية.


 بالرغم من أن البعض للوهلة الأولى قد يعتقد أن إخفاء الكود هو زيادة في الأمان، لكن أثبتت الدراسات فشل هذه الطريقة وأنها مجازفة خطيرة، لذلك دائماً ما ينصح خبراء أمن المعلومات بتجنبها.


 القاعدة نفسها مُطبقة في مجالات مُختلفة. وما أراه أننا بالفعل في عالمنا الإسلامي نتعامل مع الدين بهذه الطريقة مع فارق بسيط، وهو أنه في ديننا لا يوجد أسرار، كل شيء مكشوف، ولكن الممنوع هو أن نُفكر فيه ونُمحصه.


تعلّمنا أنه إذا ظهرت في عقلنا فكرة تخص الدين يجب أن نقمعها بسرعة ونتعوذ من إبليس (مصدر هذه الفكرة)، الذي يهدف فقط لإغوائنا وفتنتنا.


نكبُر ونعيش ونحن نفكر بهذه الطريقة، نبني بناءً ضخما على أسس غير مُختبرة، وبذلك نكون جازفنا مجازفة كبيرة، تماماً كما فعل البنك الذي اعتمد على كود سري لحماية أسراره، وبمجرد انكشاف الكود ينهار نظام البنك كاملاً.


الخطر أنك قد تستيقظ فجأة، وفي أي لحظة، ينهار عالمك. حتى أني أدّعي أن نصف ساعة فقط من التفكير الحر كفيلة بهدم هذا البناء تمامًا.


الإنسان لا يضع نفسه في هذا الموقف إلا إذا كان غبيًا بالغ الغباء ويعاني من قِصر النظر. ولا شك أن من خططوا لنا مناهجنا الدينية وحاولوا صبنا كما يريدون هم من هذه الفئة قصيرة النظر. الآن سيدفعون الثمن. عشنا عشرات السنين مغمضين والآن نستيقظ.


أُذهل حين أرى الشباب يخرجون من الدين أفواجًا وأكثرهم كانوا بالغي التدين! البعض يقول أنا مسلم بطريقتي الخاصة والبعض يلجأ لتأويل النصوص حتى تتناسب مع عقله، وآخرون تحولوا إلى لا دينيين أو مُلحدين، بعضهم أعلن والأكثرية يخفون ذلك خوفًا من القانون والمجتمع ومراعاة لعوائلهم!


غباؤهم وقصر نظرهم وضعنا في هذا الموقف والبقية تأتي، ما سرى على غيرنا سيسري علينا وسيصبح الدين يومًا ما مجرد هوية أو حالة نلجأ لها في المصايب فقط.


من حاول جعلنا متدينين وخطط لهذا كله، من اغتال وهدد المفكرين المتسائلين، وبث فيهم الرعب ولا يزال (كفرج فودة وغيره)، يتحمل كل الذنب وحده ولو كان مؤمنًا حقيقيًا لما استطاع النوم من تأنيب الضمير.