التوقيت الأربعاء، 01 مايو 2024
التوقيت 12:03 ص , بتوقيت القاهرة

حوار| الحصري.. مدرسة القراءة التي بدأت بـ30 قرشا

أحب التلاوة لحبه للقرآن، فلم يتخذها مهنة ولا سبيلا لتحصيل المال، ولم يتفق يوما على أجر، لذا كان أجره أكبر مما توقع، وأصبح المقرئ الأشهر في مصر والعالم العربي والإسلامي.. إنه أسطورة تلاوة القرآن الشيخ محمود خليل الحصري.


كان صوته المميز والمحبب إلى القلوب حاضرا بالأمس في مراسم العزاء في العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ما دفع "دوت مصر" إلى إجراء هذا الحوار** معه.


- كيف ومتى بدأت حفظ وتجويد القرآن؟


عندما بلغت الرابعة أرسلني والدي إلى كتاب قرية شبرا النملة، فبدأت في الحفظ السماعي، وبعد أن تعلمت الأبجدية كتبت ما حفظت على الألواح، وأتممت الحفظ في الثامنة من عمري، وأردت الالتحاق بمعهد ديني لأبدأ في تعلم التجويد، لكن المعاهد في ذلك الوقت لم تكن تقبل بأقل من 12 سنة، فبقيت مع شيخي في الكتاب حتى بلوغي الثانية عشر، لكني لم أكمل في التعليم بعد المرحلة الثانوية، إذ فضلت دراسة القراءات بحرية.


- يقولون إنك أصبحت معروفا منذ الصغر.. فكيف حدث ذلك؟


الحكاية أنني عرفت في قريتي شبرا النملة بحسن الصوت، فكان الناس يدعونني لإحياء بعض الليالي، وذات مرة عندما بلغت الحادية عشر، دعاني شيخ الخفر للقراءة في داره، فاستمع إلي أكبر عدد من الناس.


- وهل صحيح ما يقال عن إن شيخ الخفر أبخس حقك؟


بعض منه صحيح، فشيخ الخفر عندما دعاني وعدني بأن يدفع لي 30 قرشا في نهاية الشهر، وفرحت بذلك فرحا كبيرا، لكنه لم يعطني في الموعد سوى 20 قرشا، وأجل العشرة قروش لبعد العيد، ولما عدت إليه قال لأهل بيته "كيلو للحصري كيلتين ونصف فول بالبريزة بتاعته علشان ما يجيلناش تاني".


- ولماذا كان الناس يتركونك تقرأ في بيت شيخ الخفر وينصرفون؟


هذه واحدة من القصص غير الصحيحة أيضا، فالناس لم ينصرفوا أبدا، لكن شيخ الخفر كان يتركني أقرأ في صحن الدار منذ صلاة العشاء، وكنت أواصل القراءة مندمجا حتى آذان الفجر، فكان الناس ينصرفون لقضاء مصالحهم.


وكان أهل دار الخفير يأتون لي بطعام السحور، حيث كنا في الشهر الكريم، وذات مرة غفوت أثناء القراءة، واسيقظت لأجد كلبا قد أكل طعامي.


- كيف عرفت طريقك للإذاعة؟


أقنعني الجميع بأن صوتي جميل وتلاوتي ممتعة، ونصحوني بأن أقدم طلبا في الإذاعة، وبالفعل تقدمت وحددوا لي موعدا للامتحان، وبمجرد أن اجتزته تعاقدوا معي في نفس اليوم.


- لماذا رفضت إذا وظيفة مؤذن مسجد سيدي حمزة بطنطا؟


لأن وظيفتي في الإذاعة كانت أفضل بالنسبة لي، فأنا أحب القراءة منذ الصغر، رغم أن الوظيفة الجديدة كانت أكثر أجرا، فطلبت منهم الاكتفاء بأن أكون قارئا للسورة يوم الجمعة بنفس المسجد، ثم صدر قرار وزاري بإشرافي على مقارئ محافظة الغربية عام 1948.


- ما أهم المناصب التي تولاها الحصري؟


تم تعييني شيخا بعموم المقارئ المصرية عام 1960، ثم مستشارا فنيا لشؤون القرآن بوزارة الأوقاف عام 1963، فرئيسا للجنة تصحيح المصاحف ومراجعتها بالأزهر عام 1963، فخبيرا فنيا لعلوم القرآن والسنة عام 1967 بمجمع البحوث الإسلامية.


- من أهم ما أنجز الحصري أنه كان أول من سجل المصحف مرتلا للإذاعة.. أخبرنا القصة.


الحقيقة أن الفكرة عرضت على كثير من المشايخ والقرّاء، لكنهم رفضوا بسبب الخلاف على العائد المادي، وعندما عرضت علي تحمست جدا، لتخوفي من أن يتم تحريف القرآن، فبدأت رحلتي مع الصحفي لبيب السباعي وآخرين، وسجلنا عددا من السور برواية حفص، ثم عرضناها على وزارة الأوقاف، التي وافقت على الاستمرار في تسجيل المصحف مرتلا كاملا.


- كيف كان رد الفعل على هذه الخطوة؟


لقد كان لها نجاح منقطع نظير، فسجلناه مرة أخرى مرتلا برواية ورش عن نافع، ثم برواية قالون والدوري، ثم سجلنا المصحف المعلم.


- وكم استغرق تسجيل ذلك كله؟


مكثنا مدة تقترب من العشر سنوات لتسجيل المصحف مرتلا بالروايات المختلفة، لكن النجاح الباهر لم يشعرني بطول الوقت، فالرئيس الراحل جمال عبدالناصر منحني وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1967، ونال المصحف تقدير الملوك والرؤساء في العالم العربي والإسلامي.


- ما حصيلة ما كسبته من بيع المصحف المرتل مسجلا؟


لم يكن المصحف المرتل مسجلا لحسابي أو لحساب أي شركة من شركات القطاع الخاص، إنما للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، على أن يتولى المجلس توزيعه على إذاعات العالم الإسلامي، فلا دخل لي حول العائد.


- رافقتك الرئيس عبدالناصر في رحلة إلى الهند وكانت لها قصة طريفة.. حدثنا عنها.


هذه من أكثر القصص التي تضحكني عندما أتذكرها.. كان من المفروض أن أسبق الرئيس الراحل إلى الهند لأقرأ القرآن، إلا أنني فوجئت عند وصولي مطار بومباي بعدم وجود من يستقبلني ويدلني على الطريق، فاستقليت سيارة تاكسي، ووقفت بأحد شوارع وسط المدينة حائرا أنظر إلى الناس وهم ينظرون إلي وإلى عمامتي وجبتي وشكلي غير المألوف بالنسبة لهم.


استوقفني أحد المارة وأخذ يشير ويرشدني عن مكان أبيت فيه، فاصطحبني إلى أحد الفنادق، وهناك أعطيتهم ورقة دونت فيها بالإنجليزية اسم صلاح العبد، مستشار مصر الثقافي هناك، واتصلوا به وانحلت المشكلة، لكني حينها قررت ألا أسافر إلى أي دولة أجنبية أو عربية إلا بعد اتخاذ كل الاحتياطات.


- تعتبر أول وآخر مقرئ يؤلف كتبا في القراءات.. فما سر هذه الفكرة؟


الحقيقة أن أستاذي شيخ عموم المقارئ المرحوم الشيخ الضباع، هو الذي أوحى إلي بهذه الفكرة، فكان يقول إنه يرى في القدرة على التأليف والصياغة.


- ما العائد المادي الذي حصلت عليه منها؟


لا شيء.. فقط طبعتها على حسابي ووزعتها مجانا وأعطيت الباقي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وكان يوزعها بسعر رمزي جدا والحمدلله.


- حدثنا عن حياتك الأسرية.. زوجتك وأبنائك.


تزوجت عام 1938، وزوجتي تحملت عبئا كبيرا عني بأن اهتمت بالأبناء في فترات انشغالي، وكانت تُهيئ لي الأجواء المناسبة لأستمر في رسالتي وعملي، عن طيب خاطر.


أما أبنائي فقد سعدت بأنهم أحبوا مثلي تلاوة القرآن، وكنت أشجعهم بأن أمنح كلا منهم حفظ سطرا من القرآن قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وظللت أتابع حتى حفظوا جميعهم القرآن بفضل الله.


- هل ورث أحدهم موهبتك في التلاوة؟


كل أولادي والحمدلله يتمتعون بصوت جميل طيب، لكن واحدا منهم فقط هو الذي امتهن القراءة، وهو السيد الحصري، بعدما تم اعتماده قارئا للسورة بمسجد العزباني بحي الموسكي بالقاهرة.


- كيف يسير يومك في المنزل؟


عادة بعد أن أصلي الفجر، أنام ثلاث ساعات أخرى، واستيقظ في العاشرة لتناول إفطاري، ويكون عبارة عن عن طبق من الفول منزوع القشر، وطبق سلطة، وقطعة من الجبن الأبيض، وأقل من نصف رغيف، وأحاول تناول الغذاء مع أسرتي، ويكون طعامي مسلوقا، أما العشاء فلا يزيد عن قطعة من الجبن الأبيض وكوب من الزبادي.


- عادات طعامك صحية.. فلماذا يحاربك المرض؟


عاداتي الصحية هي أصلا لمكافحة المرض.. فأنا مريض بالقلب، وقد زاد علي المرض عام 1980 بعد أن عدت من رحلتي في السعودية، ونصحني الأطباء بالانتقال لمعهد القلب، لكنني في الحقيقة رفضت، فالشافي هو الله!


**توفي الشيخ الحصري بعد صراع مع مرض القلب في أواخر عام 1980 وهو على سجادة صلاته.. وجميع المعلومات الواردة هنا من موقعه الرسمي http://hosari.com/