التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 12:14 ص , بتوقيت القاهرة

ورحل أعظم من حكم المملكة!

تكرار نفس رد الفعل من شخصٍ ما، تجاه موقفٍ مُعين، يجب أن يقودنا تلقائيًا إلى توقع كيفية استجابته لذات الحدث مستقبليا، حال وقوعه.

في هذا الإطار، لم يُخيب الإسلامجية وحلفاؤهم ظنوننا ولو لمرة واحدة على سبيل الخطأ، أو حتى بغرض إحراجنا، لهذا السبب لم تعد الدهشة تعترينا من ردود أفعالهم أمام مهابة الموت بالذات، فما انتهوا من تشنيعاتهم على وفاة الفنانة المصرية القديرة "فاتن حمامة"، إلا وتكرر الأمر ذاته فور أن طالعتنا وكالات الأنباء بخبر وفاة الملك السعودي "عبدالله بن عبدالعزيز" تغمده الله بواسع رحماته. وفي العينة أدناه خير من أي كلام يُقال

 
 

اليوم، وبعد أن لقي الفقيد ربه، لم يعد بمقدور أحد أن يتملقه، بغية أن يتقرب إليه أو إلى ديوانه زُلفى، لهذا السبب لم أتردد لحظة في أن أطلب من القائمين على إدارة "دوت مصر" أن يمنحونني لقاءً استثنائياً مع القارئ لأقول فيه :

إن المُتابع لما تطالعنا به وكالات الأنباء الخليجية، عبر شاشاتها أو مواقعها الإلكترونية، لن يجد أدنى صعوبة في أن يصل لنتيجة مُفادها أن السعودية في أغسطس عام 2005 ليست هي السعودية في يناير 2015. تلك هي المدة التي اعتلى فيها خادم الحرمين الشريفين، عرش المملكة، وأبى خلالها، ولو على سبيل التواضع الشعبوي، أن يناديه أحد بوصفه ملكًا.

وكذلك؛ فالذي قرأ عن التاريخ السياسي لشبه الجزيرة العربية، لن يتردد في الاعتراف بأن المملكة التي تبدو اليوم كفتاةٍ في مقتبل العمر، تخطو خطوات حثيثة محسوبة بدقة نحو المستقبل، لم يحكمها في تاريخها كله رجلٌ كـ "عبد الله بن عبد العزيز"؛ وذلك مرده قرار كان قد اتخذه الملك الراحل، عقب أسابيع من توليه الحكم، متحديًا به إرث وهابي- صحوي بلغ من العمر عِتيا، ذلك هو قراره بفتح الباب أمام فتيات السعودية وشبابها للابتعاث الخارجي.

وقد بلغت اليوم حصيلة المبتعثين للخارج، بحسب ما نقله موقع "العربية" في ديسمبر 2013، قرابة مئتي ألف شاب سعودي، موزعين على مختلف أنحاء العالم، وفي مختلف التخصصات، يوجد منهم في بريطانيا وحدها ما يربو على ثلاثة عشر ألف طالبًا وطالبة، تتكفل حكومة المملكة بإعالتهم وأسرهم، إعالة شاملة كاملة، بمقتضى ميزانية خُصص فيها للتعليم نسبة 25% بما يعادل 855 مليار ريال في العام المنصرم، 2104.

كان هذا القرار، الذي يعني البداية الحقيقة للتغيير في المملكة، بمثابة الإعلان الأول من الرجل لتوجهاته، والذي ما إنْ صدر إلا وقوبل بهجوم عاصف من القوى الأصولية والوهابية المُسيطرة على المجتمع السعودي، والتي لم تعتبره، كعادتها، فتحا لشباك "التغريب" على المملكة فحسب، بل وصفته بأنه كسرٌ لأبوابٍ مؤصدة أمام الشباب المسلم على  الغرب، كي يغترف من قيمه وحضارته طوعًا، ومن ثمّ يعود ليبث سمومه في الهيئات والجامعات الحكومية، تلك التي تفرض الدولة على المبتعث، فور عودته، أن يخدم فيها لعدد من السنوات، حال الابتعاث بغرض الدراسات العليا.

وأحسب أنه لم يدُرْ بخلد سعودي واحد، يعيش في مجتمع عدوه الأول فيه هو المرأة، أن يُصدر قرار من السلطات الحاكمة لبلاده بفتح أبواب سوق العمل الداخلية أمام السعوديات، بل وبإجبار القطاع الخاص على تعيين نسبة منهن، مقابل تسهيلات. وربما يغيب عنا كمصريين، حقيقة أن المرأة السعودية، بمقتضى قرار آخر اتخذه الملك الراحل، ممثلة اليوم في مجلس الشورى السعودي بنسبة لعلها هي الأعلى في العالم، نسبة حددها بألا تقل عن 20 % من أصل 150 عضوا.

ناهيك عن دولة تُدار الآن بحكومة إلكترونية بالكامل، وأنشأ فيها لأول مرة في تاريخها جامعة مختلطة، والتي تسبب قراره بتأسيسها في ثورة المتشددين، وقد كانوا على طول الخط ضد انفتاح الرجل، لدرجة أنهم، وخروجًا على الأعراف المجتمعية السعودية، وحتى خروجًا على قيمهم الدينية، تظاهروا أمام قصره مرات، وهو مؤشر لا تُخطئه عين عقلاني ولا عقل لبيب بأن مشكلة السعودية هي مشكلة مصر حرفيًا، مشكلة تكمن عند قاعدة الهرم، لا فوق قمته.

بيد أن كل ما قلته للتو أمور تخص الشعب السعودي وحده، ورغم تمنياتنا له بدوام الرفاهية، إلا أن ما يعنينا كمصريين، من المنظور السياسي، هو موقف الفقيد تجاه بلدنا، مصر، ويكفي في هذا الإطار أن أُذكّر بخطابه التاريخي، توقيتًا ومحتوى، عقب عزل الجيش للرئيس الإخواني الأسبق "محمد مرسي، وهو الخطاب الذي جاء من قلب عاصمة مهبط الوحي، ليُكذّب ادعاءات الإسلامجية أن جيشنا يُحارب الإسلام.

 وليقول للعالم أجمع إن السعودية، بثقلها السياسي والاقتصادي، ستقف مع الشعب المصري، مساندةً اختياراته، غير سامحةٍ لأحدٍ أن يفرض عليه أمرًا أو أن يُجبره على التراجع عن آخر. وقد وقفت بالفعل، وأحسنت الوقفة، ومن ثمّ، وفي نفس الإطار، الجهود التي بذلها وزير خارجيته، "الأمير سعود الفيصل" والتي ساهمت بشكل جلل، في ظل عجز حناجرنا الإعلامية، على إيصال صوتنا إلى قلب أوروبا، وما كان تغير الموقف الفرنسي، كمثال، إلا بسبب جهوده.

ولعل القارئ الكريم يُسامحني إذا ما منحت نفسي الحق، نيابة عنه، أن أتقدم بخالص العزاء للشعب السعودي، الذي أعلم يقينا مقدار حبه للفقيد الراحل، الملك "عبدالله بن عبدالعزيز". وهل يملك شعبًا يعيش بين أطلال جحيم الربيع العربي، تحيطه من كل جانب، سوى أن يحب رجلاً، كان لسياسته الفضل الأول في استقرار بلاده في منطقة يبدو أنها عصية على الاستقرار؟!