25 يناير.. ذكرى تضحيات الشرطة من أجل الحرية
25 يناير، جثث 50 شرطيا تملأ أروقة مبنى محافظة الإسماعيلية، حيث مقر قوات الأمن، ووزير الداخلية يتصل بقائد الشرطة ليطمئن على الموقف، فيؤكد له أن رجاله لن يتركوا مواقعهم حتى آخر رصاصة.
ما مضى لم يكن في 25 يناير 2011، إنما كان عام 1952، حين كان رجال الشرطة المصرية يقاتلون الجيش البريطاني في الإسماعيلية، ووزير الداخلية كان فؤاد سراج الدين، أحد أقطاب حزب الوفد، وقائد الشرطة النقيب مصطفي رفعت.
الشرطة تساعد الفدائيين
في عام 1936 وقعت مصر اتفاقية مع بريطانيا بعد صراع طويل ضد الاحتلال دام 54 عاما، وبموجبها ترك الجيش الإنجليزي مواقعه داخل العمق المصري، إلى محافظات إقليم قناة السويس "بورسعيد – الإسماعيلية – السويس"، لتنقسم كل مدينة منهم إلى حي إفرنجي يسكنه الإنجليز والأجانب، وآخر بلدي يقطنه المصريون.
تمركز الاحتلال داخل تلك المدن أعطى فرصة لتكثيف العمليات الفدائية ضده، فنشطت في أواخر عام 1951 وبداية 1952، ونتيجة لذلك رحّلت سلطات الاحتلال المصريين من مدينة الإسماعيلية إلى خارجها،ما مثّل دافعا لاشتعال العمليات أكثر ،بدعم من الشرطة المصرية.
فطنت قوات الاحتلال إلى أن الشرطة المصرية تساعد الفدائيين، فأصدرت قرارا بطرد كل عناصرها من مدن القناة الثلاثة، وفي 25 يناير 1952، جرت المواجهة بين أفراد الأمن المصريين وقوات الاحتلال، حين حاصرت القوات الإنجليزية المدعومة بالدبابات مبنى محافظة الإسماعيلية، وأعطى قائدها "إكس هام" مهلة مدتها 5 دقائق لترك أفراد الشرطة المصرية مبنى محافظة الإسماعيلية دون أسلحتهم.
قائد الشرطة المصرية بالمحافظة النقيب مصطفي رفعت، رفض الأمر ورد على "إكس هام" بعنترية قائلا: "إذا لم تأخذ قواتك من حول المبنى سأبدأ أنا الضرب؛ لأن تلك أرضي وأنت الذي يجب أن ترحل منها".
في تلك الأثناء اتصل وزير داخلية مصر، فؤاد سراج الدين برفعت ليخبره أن لديه معلومات بمحاصرة الإنجليز مبنى محافظة الإسماعيلية.. وسأله: فماذا أنتم فاعلون؟ فرد فهمي عليه قائلا: أنا وجنودي لن نستسلم وسنقاتل حتى آخر جندي وآخر رصاصة... فرد سراج الدين: الله معكم وينصركم.
استسلام لا هزيمة
بعد دقائق من حديث وزير الداخلية لقواته المحاصرة بمبنى محافظة الإسماعيلية، بدأت الدبابات الإنجليزية قصفها، واندلعت الاشتباكات بين الطرفين، ونتيجة لسقوط عدد من الجنود، طلب الملازم فهمي وقف الاشتباكات، فاعتقد "إكس هام" أن الجنود المصريين يستسلمون، إلا أن الأمر كان مختلفا ، ففهمي يريد وقف الاشتباكات، للسماح بدخول عربات الإسعاف إلى المبنى لنقل الجثث والمصابين، فرفض القائد الإنجليزي الطلب، واستمرت الاشتباكات.
رفعت أراد القيام بمغامرة تربك صفوف الإنجليز ،فقرر اغتيال "إكس هام" بعمل فدائي، فنزل من المبنى متسللا، وفي أثناء ذلك فوجئ بالجنرال ماتيوس، أحد قادة الإنجليز، يؤدي له التحية العسكرية، ويطلب منه برفق أن يستسلم حفاظا على ما تبقى من جنوده، فوافق رفعت على طلبه تحت ضغط الخسائر البشرية الجسيمة، واشترط إخلاء الجرحى من المكان بشكل فوري، وخروج القوات المصرية في طابور عسكري، وليس على شاكلة الاستسلام، الأمر الذي استجاب له البريطانيون.
خرج رفعت وباقي قواته، بعد أن استشهد منهم 50 جنديا وأصيب 120 آخرون، ليصبح هذا التاريخ عيدا للشرطة ولمحافظة الإسماعيلية، تخليدا لذكرى البطولة التي أبداها رجال الشرطة المصريون، وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وتحديدا عام 2009، صدر قرار باعتبار 25 يناير إجازة رسمية للعاملين بالحكومة والقطاع العام.