التوقيت الإثنين، 29 أبريل 2024
التوقيت 02:38 ص , بتوقيت القاهرة

وَكَلَّم الرَّب مُوسَى.. فماذا قال؟

قال: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً.. وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا.


إذن؛ وبتمييز مُفرط، يقرر إله الكتاب المقدس أن نجاسة المرأة تتضاعف إن ولدت أنثى، فالأم أصلاً "نجسة"، وكذلك الوليدة التي أتت إلى الحياة  للتو مُحملة بخطيئة الأم الأولى.


في تفسيره لسفر "اللاويين" يتباهى القس "أنطونيوس فكري" بهذه الشريعة فيقول: إن هذا الطقس يجعلنا كمسيحيين نشعر بأن الطفل يولد بنجاسته، فنشتاق لينال سر العماد المقدس! ويشرح لماذا ينسب الرب النجاسة إلى الأم فيقول: وكون الله ينسب النجاسة للأم الوالدة فهذا ليجذب الأنظار للخطية التي تسللت لنا أباً عن جد!


ولمّا كان الرب نفسه قد قال إن الولادة نجاسة، تزداد حدتها إذا ما كانت المولودة أنثى فلنا أنْ نتوقف عن الدهشة حين نسمع العلاّمة  المسيحي "أوريجانوس" يقول للقديسين: لا يليق بالقديسين أن يبتهجوا بتذكار يوم ميلادهم. لماذا؟


لأنه يتوجب عليهم أن يسبوا اليوم الذي ولدوا فيه. وفي تلك النصيحة ما يفسر عدم احتفال القديسين بأعياد ميلادهم، ذلك لأن هذا الاحتفال لا يقوم به سوى حاملي الخطيئة.


في الواقع؛ لم يكن الأمر مجرد تطرف من القديسين، ولا مُعلهم "أوريجانوس"، فالأنبياء الممسوحون من الرب كانوا قد لعنوا ذاك اليوم المشؤوم، فها هو النبي "إرميا" رغم أنه تقدّس في بطن أمه وتكرّس كنبي للشعوب يقول: ملعون اليوم الذي وُلدت فيه، اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكون مباركًا، ملعون الإنسان الذي بشر أمي.


وطبيعي أن يكون هذا اليوم ليس مباركًا كما أقرّ النبي، لأن دماً نجساً  قد سال فيه، فعكر مزاج الرب. وكان داوود نفسه بما له من مكانة في اليهودية والمسيحية قد قال:  هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّ، (المزامير 51: 5 )


لهذا السبب لم تكن المسيحية على مدار تاريخها، تتسامح مع مسألة الجنس أبداً، فقد اعتبرته الكنيسة مجرد خطيئة، وأحسب أن باستطاعة القارئ الآن أن يفهم، لماذا لا تحتفل الكنيسة وشعبها بيوم ميلاد أطفالها، بل بيوم عمادهم!


ولأن فترة النجاسة تتضاعف مع ولادة الأنثى، فقد اكتفى الرب بعزل المرأة 40 يوما إذا ما وضعت ولدا، أما في حال وضعت أنثى، فيجب أن تُعزل 80 يوما، أي يضرب عليها الحجاب، ليعزل بينها وبين أفراد قبيلتها، فمن هذا الموضع بالذات، تسللت فكرة حجاب المرأة، على أيدي الفقهاء، إلى الإسلام.


ولئن عمدّت التوراة الحيض والنفاث كنجاسة، فقد أضحى على المرأة المسيحية خلال حيضها ونفاسها أن تلتزم بأن كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ. لاحقا ؛ تكفل الفقهاء في الإسلام بتأصيل المبدأ ذاته.


في الواقع؛ لا يُمكننا أن نفهم الدافع الكامن خلف هذه الحرب الإلهية الضروس على المسكينة إذا ما اكتفينا بتحليل شرائع الإله لمخلوقاته على الأرض، بل يجب أن نعود أدراجنا إلى السماء، كي نفهم، فالقصة تبدأ من هناك، تحديداً حين قرر الإله خلق البشر.


فما معنى قول الرب إنه خلق حواء من ضلع لآدم، بعد أن خلق آدم على صورته هو؟ 
معناه أن حواء يجب أن تكون دوماً ملتصقة بآدم، فهي لم تخلق منه فحسب، بل خلقت له. ألم يكن في الجنة تعيسًا بوحدته، شقيا، فخلق له الرب حواء كي تؤنس وحشته!


ثم لماذا لم يخلق الإله حواء، من فخذ الرجل مثلاً؟


بسيطة أوي؛ لأن الفخذ مستقيم، بينما الضلع بطبيعته "أعوج"، وكل أعوج لابد له، بالضرورة، من إعادة تأهيل، من تأديب وإصلاح. كل أعوج لابد له من شخص يقومه. فمن هنا أيضاً تبدأ فلسفة القوامة.


وليس ما قلت للتو مجرد تحليل لعناصر الأسطورة التوراتية، بل فقط إعادة تذكير بما أقر به رب الكتاب المقدس، الذي يعمد كتبته لتذكير المرأة بتلك القصة بالتنبيه والتذكير: وستكون حياتك خاضعة لمشيئة زوجك .. وسوف يظل زوجك حاكمًا عليك. وفي موضع آخر، وبلغة أكثر وضوحاً: إلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك.


إن فلسفة الخلق التوراتية، هي حجر الزاوية لفهم كل شريعة تخص المرأة في الأديان الإبراهيمية، فالتوراة كانت قد اعتمدت هذه الصيغة لتؤكد أن الرجل وحده هو "الإنسان" وأن المرأة "بعضه" الأعوج، لذا؛ فالرجل هو سيدها وهو المسؤول عن تقويمها ومع ذلك تكون له دومًا مشتاقة ومتقبلة، بخضوع، فكرة السيادة، إنها صيغة مهذبة لقول كاهن فظ: وبرغم كل هذا الذل ستظلين إلى جوار رجُلك، فلا قيمة لك بعيداً عنه!