التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 08:45 ص , بتوقيت القاهرة

كل هؤلاء في حمام رمسيس

حُكــم بالبراءة من محكمة جنح الأزبكية للمتهمين بممارسة الفجور في قضية حمام رمسيس.. قضية يشكل العمل الإعلامي جزءًا بارزًا منها لا يُمكن تجاهله، بل أنه بحسب كلام الإعلامية منى عراقي، ففريق البرنامج هو صاحب فضل نبش القضية وإظهارها للنور أمام السلطات، فمن وجهة نظر الإعلامية صاحبة السبق الإشكالية لديها تتمثل في حماية مصر من أمراض تنتقل عبر ممارسة الجنس الجماعي كالإيدز.


 ومن خلال لقاءات أجراها البرنامج مع مواطنين، بخصوص موقفهم من الشذوذ، كانت كل التعليقات تتعلق بالرفض الأخلاقي والديني، أو الاندهاش من استمرارية وجود اللواط في القرن الحادي والعشرين، أو المبالغة في رد الفعل العنيف كوجوب قتل المتورطين في الفعل، إن أمكن للمواطن امتلاك سلاح لرشقهم بالرصاص، بحسب قول أحدهم بالتقرير!


هنا لا يجرؤ شخص عادي في تمرير المثلية دون اعتراض، وإلا اتهم بما لا يليق، وقد تلتصق به شائنة لا تزول!


الإعلامية توافق التعليقات والآراء باعتبار الحدث كارثة اجتماعية حلت علينا، أو باعتبارها حمت المجتمع من كارثة اجتماعية وعنف محتمل قد يحدث تجاه من يقومون بأفعال مشابهة إن تُركوا يستكملون فعلهم، بحسب الغضب البادي بالتقرير، لم يتضح مقصد الإعلامية تماما. 


وعرضت الإعلامية تقارير مماثلة لتليفزيونات أوروبية لإجراءات القبض على شبكات بغاء وتصوير المتلبسين، تلجأ الإعلامية للاحتماء بالعامة وبآرائهم السائدة، فهي تنتمي إليهم وتمثل صوتهم، هنا الإعلامي يروج لنفسه باعتباره لم يخرج من دائرة الشعب، يتحدث باسمه ويُعبر عنه، ربما كان رد الفعل العنيف وتضخم أبعاد القضية، هو ما جعل الإعلامية تلجأ لهذا المَخْرج البائس، فالخوف شعور إنساني وطبيعي.


فبدلا من أن تشعر بمكانتها كإحدى المتميزات بمكانة نخبوية وثقافية، تقود مجتمعها بشكل أو بآخر نحو التخلص من عنف أفكاره أو تهذيب بعضها، تتحول الإعلامية إلى مجرد تابعة لأحكام الجماهير وقيمهم السائدة دون مراجعة، تهمني هذه الملحوظة الآن.


 وأمّا القضية، فبالنسبة لي ما زال يغلفها بعض الضباب، فما أوردته التقارير الإعلامية من الاعتراف، وما صاحب التقرير من أقوال رجال المباحث بخصوص وجود حالة التلبس، ينفيه تقارير الطب الشرعي التي نفت سابقة ممارسة الفعل، وغالبا ما زال هناك بقية ما لهذه الروايات الملتبسة!


الحُكم عنوان الحقيقة، والمتهمون جميعا أبرياء بتقرير الطب الشرعي وحكم القاضي الفاضل. وكان الله في عون كل من طالت سمعته شائبة زورًا في قضية سيئة السمعة مثل هذه.


بين الحقوقى والإعلامى 
على الجانب المقابل هناك غضب حقوقي عارم من الحالة بأكملها، باعتبار الأمر يُمثل تعديا على حُرمة مواطنين، وتصويرهم عرايا والتشهير بهم دون التيقن من التهمة، أو باعتبار أن هؤلاء ليسوا مذنبين بالأساس بحسب وجهات نظر سائدة، فلم يؤذوا أحدًا ولم يجرموا بحق إنسان، والجميع لديه وجهات نظر معتبرة تدعم موقفه.


توقفتُ عند الغضب البالغ من الحقوقيين والنشطاء ذوي الشهرة بعد حكم البراءة للمتهمين، ففي حقيقة الحال يمتلك الحقوقي واجهةً مُعلنة دائما، وهي الوقوف في صف الحقوق المسلوبة، أي حقوق لأي إنسان دون النظر لأي اعتبار آخر، أو ما يصنفه هو كحقوق حتى لو تعارضت مع مقتضيات المصالح العليا للدولة أو خالفت قوانينها، سواء بمصر أو بالخارج، لدينا مثال ثورة النشطاء ضد السعودية في واقعة القبض على الناشط أحمد الجيزاوي، ورفضهم محاكمته طبقا لقوانين الدولة التي ضُبط بأرضها.


فالحقوقي خصمٌ للسُلطة، كل سُلطة، هذه مهنته وعمله الذي يجيده، عند اشتداد المعارك يلجأ كثيرًا للتشهير بخصومه، هو مدافع دائم عن كل من عادى السُلطة حتى لو حمل السلاح. 


الناشط والحقوقي لم يكُفا عن التشهير يومًا، بحق أو بباطل، كما أن النشطاء للمصادفة ينعتون خصومهم  أحيانا بصفات "اللواط" كسبة مهينة، وليس كطبيعة جنسية مختلفة كما يذكرون إن ظهروا إعلاميا وارتدوا ثوب التحضر، حتى أن صفحات النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي مليئة بسيل من الاتهامات المتناثرة، وبمحاولات مستمرة لتثوير الصغار لأجل رفعهم على الأعناق، وكلاهما أيضا مدين للإعلام بشهرته، فلولا الإعلام ما عُرفت وجوههم، ولا حُفظت أسماؤهم.


في الحقيقة التشهير سمة اجتماعية، يلجأ إليها الجميع بدرجات متفاوتة، لكن ليس الجميع يدعي طهارة التبرؤ من الفعل كما يفعل الحقوقيون.


العلاقة ظلت طيبة لفترة، طالما كانت الأهداف واحدة، والموجة تدفع الجميع باتجاه واحد، لكن الموقف قد تغيّر، والإعلام كباقي فئات الشعب قد تفرّقت به السُبل، والتوحد الطوباوي المتوَهم في أيام النقاء الثوري، قد تفكك طيفه بحسب ما تقتضيه طبائع السياسة.


وانقلب الحليفان أعداءً، فهؤلاء الذين ملؤوا رؤوسنا حكايات بأدق شؤون الدولة سرية، وتحدثوا عنها كحقائق دامغة بأرقام مهولة، واتهموا كل صوت مخالف بالفلولية والانتفاع والعمالة للأمن، أصبحوا ينادون بالتحري قبل الاتهام والحرص قبل القول، والإعلام الذي ظلوا ضيوفا على شاشاته، يوجهون التهم ويهاجمون السُلطة بأريحية، صار متهما بممالأة السلطة. الحقوقي والإعلامي انفصلا مؤقتا، حتى إشعار آخر.


توحدت معهم في الأزمة، قناة الجزيرة صديقة الحقوقيين والإرهابيين، وقد أصبحت تدافع عن المثلية الجنسية باعتبار الأمر يمثل خنقا للحريات من بعد 30 يونيو، هكذا هي السياسة تجعل لسان الإسلاميين يتقبل فعل اللواط. بعدما كان يطالب برميهم من الشواهق أو برجمهم كعقوبات شرعية!


الحقوقيون منهم من يرد الجميل، ويرسل التعليقات: بأن حكم البراءة يضرب المثل لبشاعة الإعلام الظالم، وعلى الناس ألا تصدق الإعلام، فما يروجه كذبا، وهي نغمة ما بعد 30 يونيو التي يعزف عليها الرفاق من الإسلاميين والنشطاء، لذلك فعليكم ألا تصدقوا أن هناك إرهابا بمصر، إن هي إلا ألاعيب السلطات البائسة لإيجاد مبرر لبطشها!


هو صراع سياسي بين فصيل في الحكم وفصيل يود الحكم، هذا هو تعريف الإرهاب لديهم، لذلك فقد جاءت واقعة حمام رمسيس كورقة طيبة تُضاف لملف الإثبات.


تماما كالإسلاميين، ينسبون الإرهاب للإعلام وليس لأياديهم الطيبة التي لا تقرب العنف، والارتكان لحادث واحد والإلحاح به، وتجاهل كل واقعة غيره، ليس غريبًا أن تتقارب مواقف وأساليب الحقوقيين والإرهابيين.


للصدفة لم يكن الإعلام فاسدا حينما كانوا ضيوفا دائمين على شاشاته يروجون للعبث، حتى صار الأشدُ جهلا هو الأكثر شهرة، والأكثر حماقة عُدَّ من زعماء الأمة!


الحقوقي تحول إلى سياسي بفعل الواقع، ولم يعد ممكنا النظر إليه كمحامٍ أو كمحايد، هو طرف رئيسي في المشهد السياسي بذاته أو كذراع لآخرين، ينوب عنهم في معركتهم، والناشط هو من يهرب من مسؤوليته بتجنب العمل الحزبي المباشر، مُصرًا على أن يظل في خانة المشاكس، التي تتيح له التصرف كمراهق بعيدا عن المساءلة والجدية!


لذلك فالقضية تتيح لهما متنفسا للانتقام، وكسْب موقع جديد على أرض معركة السياسة.


ما فعلته منى عراقي من الاحتماء بآراء البسطاء التقليدية كما أشرت، اتبعه الحقوقيون والنشطاء طوال سنوات تألقهم، من تبرير العنف بالشارع تجاه الدولة ومؤسساتها أو أجهزتها الأمنية، أو تجاهل العنف الموجه لخصومهم السياسيين، وتمجيد آراء الجُهّال والبلطجية، فيكفي أن تنشر فيديو لصبي غُر يتحدث بلغو الكلام بميدان التحرير، لتنهال عليه عبارات التعظيم والتبجيل منهم، ومحاولة استمداد حكمة الكون المخفية من ثنايا عباراته البلهاء، وينتهى الأمر بمطالبة الدولة بالاستماع إليه واستخلاص الحكمة وحنكة السياسة من منطق حديثه المهترئ.


لقد توارت شخصية الخباز الفصيح الآن على ما أظن ..
ولم تتوقف محاولاتهم لتبرير العنف والتلطيف من شأن الحوادث التي تُرتكب ضد الجنود والضباط، حتى لحظتنا تلك، باعتبار أن هؤلاء ليسوا تحت المظلة الحقوقية مطلقة العدالة.


لم يجد الحقوقيون سلاحا أكثر أمانا لهم من الاحتماء بالأكثر جرأة على تحدي الدولة، كي يكونوا محامين له، يدين لهم المجرم بالولاء.


فلما انتهى شأن بلطجية الشوارع ومظاهراتهم الزائفة، بفرض الدولة لسيطرتها تدريجيا، عاد الحقوقيون والنشطاء لأحضان الإسلاميين التي لم يبتعدوا عنها كثيرا، كونهم لا يستطيعون العمل بعيدًا عن مظلة تستخدم العنف، حقيقة الحال لا ينتعش عمل الحقوقي والناشط إلا في أجواء الصدام، لذلك يسعيان دائما لإيجاده.


قضية حمام رمسيس هي باب رزق قد فُتِح، وهي إحدى معارك السياسة أكثر من كونها جنحة في محكمة مصرية، تتبارز فيها شخصية إعلامية - قد يتخلى أغلب الإعلام عنها للتخفف من عبء حملها في المعركة - ضد أصوات حقوقية بارزة، وسينتهي الأمر إلى توحد متوهم مؤقت ضد الشيطان الخاسر في المعركة، حتى ينسق كل طرف منهما أوراقه لاكتساب مكانا متميزا يتيح له الاستمرار في المشهد بوضعية أفضل.


خارج النص: انضم لعقد شهداء الدولة المصرية، الشهيد نقيب/ أيمن السيد الدسوقى, الضابط المختطف برفح.. ولم يعرف الحقوقيون إليه سبيلا..