التوقيت الخميس، 25 أبريل 2024
التوقيت 10:25 م , بتوقيت القاهرة

هل يعفو السيسي؟

<p>أثارت قضية صحفيي الجزيرة المعروفة بخلية الماريوت جدلا كبيرا في الشهور الماضية، وزادت المشكلة بسبب جنسية بعض أعضائها، وبسبب المحامين الأجانب، وبالطبع بسبب التغطية الإعلامية للقضية.</p><p>يأمل كثيرون، وأنا منهم، أن تتم تسوية هذه القضية ليس هذا بسبب الإعجاب بمضمون ما كانت القناة تبثه وتتعمد المغالطة فيه، بل لسبب مرتبط بالقوانين نفسها.</p><p>في الأصل يجب على المواطن أن يعطي احتراما كاملاً لتنفيذ القانون، عندما يختلف المواطن مع القانون ويرفضه فكريًا أو سياسيًا فهو يستطيع السخرية من القانون ورفضه، ولكنه يجب أن يلتزم به بعد صدوره سالكاً الطرق السياسية والقانونية المشروعة لتغييره (مالم يكن القانون يمنعه من حرياته الشخصية اللصيقة، مما يعني أن الالتزام به إهدار لحرياته الشخصية).</p><p>هناك مشكلة إذن في هذه القضية، فالإدانة في القضية تستند في القانون المصري أساسا إلى تهمتي بث أخبار كاذبة المنصوص عليها في قانون العقوبات من جهة، وحيازة أجهزة اتصالات وبث دون ترخيص وفقا للترتيبات التي يقررها قانون تنظيم الاتصالات من جهة أخرى، والمشكلة إذن أن هذه القوانين هي قوانين تعتمد على نية المتهم أكثر مما هي قوانين واضحة ومُطبقة بشكلٍ كامل.</p><p><span style="color:#FF0000;">ما معنى قوانين تقوم على نية المتهم؟</span>  معناه أنها قوانين تضع قيودا كثيرة على الحرية فيصبح تطبيقها بصرامة مستحيلاً لكثرة القيود، وفي العادة يقوم كثيرون باختراقها دون مشكلة ودون أن تسعى السلطات المعنية لملاحقتهم، ولكن يبقى القانون مسلطاً على رأس الجميع، فإذا بدأت تصرفاتك في التجاوز، فإنّه ببساطة يمكن توجيه التهمة لك، إنها باختصار قوانين تفتح الباب بتسلطيها للانتقائية في تطبيقها.</p><p>إنها حالة متكررة لقوانين كثرة موجودة ليس للتطبيق دائما، ولكن للتطبيق (عند الحاجة).</p><p> المتهمون المدانون في حكم القضاء ارتكبوا هذه الجرائم بالفعل،  لقد رأينا جميعا شكلا وطريقة ومضمونا ورسالة قناة الجزيرة، والحكم القضائي بالتأكيد هو حكم يتفق مع القانون، ولكن المشكلة الحقيقية أن هناك نوعًا من القوانين غياب صرامته الشديدة أفضل لمنع الانتقائية.</p><p>التزامك بالقانون لا يعني بالضرورة أن القانون يقنعك، وعدم اقتناعك بالقانون لا يعني ألا تلتزم به (إلا فيما يخص حرياتك الشخصية اللصيقة)، وصدور حكم قضائي لا يعني أن القضاء متواطئ.</p><p>تلك مشكلة شبيهة بمشكلة قانون تنظيم التظاهر، كان هناك ضرورة لتنظيم التظاهر بقانون، بالذات أن تنظيم التظاهر أمر مهم لإحداث تعافٍ اقتصادي، وإظهار أن حالة الفوضى المستمرة انتهت ومعها حالة الاضطراب وعدم الاستقرار.</p><p>القانون لم يمنع التظاهر بل نظمه، وهو أمر موجود في كل مكان، ولكن كانت هناك شكوك حول تطبيقه بشكل عادل بالنظر لتاريخ قريب من المنع المشدد، كان من الممكن أن يتم التوصل لحلول وسط أو تقيم ضمانات أقوي بالتجربة العملية أو انتظار البرلمان لتعديل القانون، ولكن البعض رفع علناً شعار( أي قانون سننزل لإسقاطه)، وقادنا هذا كله إلى الوضع الحالي.</p><p>لاحظ أن قانون التظاهر أيضاً تم وسيتم تطبيقه بانتقائية لأنه ببساطة يستهدف المظاهرات التي ستشيع حالة فوضي تعطل محاولة التقدم الاقتصادي والأمني، وليس المظاهرات التي تشيع حالة أمل أو تأييد أو احتشاد للمصريين، صحيح أن البعض ينزل متعمدا لخرق القانون، والآخر ينزل للاحتفال ولكن هذا في النهاية مرة أخرى حالة انتقائية يجب علاجها بوضع توصيف واضح ومحدد للمسموح والممنوع ليتم تطبيقه علي الجميع.</p><p>في كلتا القضيتين هناك جريمة بسبب تعمد مخالفة القانون، ولكن هذه القوانين يجب أن تناقش للوصول إلى صيغة أفضل من الحالية تحدد الجرائم بشكل واضح دون فتح الباب  لإمكانية إغلاق المجال تماما بشكل قانوني عند الحاجة، وأن يضع القانون عقوبة تتناسب مع الجريمة، فالقوانين المرتبطة بالتعبير في وسائل إعلام أو في الشارع دون ترخيص يجب أن يكون وضعها الدائم غير المؤقت، مستندا  لبرلمان منتخب، ومتفقاً قدر الإمكان مع كل من: المعايير الدولية، عدم تعطيل مصالح المواطنين الخاصة، حرية التعبير.</p><p>هل يُفرج السيسي بموجب السلطات الممنوحة له عن متهمي خلية الماريوت؟ في الواقع فإن هذا القرار، في رأيي، هو قرار ذو أثر إيجابي كبير للغاية، ولكن أثره الإيجابي يكمن في التوقيت السليم وفي الملابسات المناسبة وإلا سيصبح أثره سلبيًا.</p><p>فصدور عفو عن المتهمين الأجانب في القضية دون المصريين استناداً لفكرة منع الضرر الدولي هو رسالة شديدة السلبية، خصوصا أنها مرتبطة بمشكلة مشابهة  في أزمة المتهمين في قضية التمويل الأجنبي الذين خالفوا القانون فعلا، ولكن القانون نفسه كانت عليه اعتراضات أيضا، وانتهى الأمر بترحيلهم  للخارج، مسببا حرجا بالغا للحكومة المصرية أمام الشعب الذي رأى أنه ما عليك إلا أن تحمل جواز سفر أجنبيا إذا أردت أن ترتكب جريمة بحرية، لأن الأجنبي سيخرج والمصري سيسجن.</p><p>وصدور عفو عن المحكومين في القضية  دون صدور عفو مشابه عن المحكومين في قضايا قانون التظاهر هو أيضاً رسالة بالغة السلبية، تعني أن السر دائماً في الضغط الدولي.</p><p>في اعتقادي الشخصي أن الخيارات التي تبدو متاحة ومقبولة  هي على النحو التالي بترتيب الأفضلية:</p><p>أن يصدر الرئيس عفوا عن المتهمين في قضايا التظاهر أولا، تزامنا مع المناخ السياسي الخاص بالانتخابات ويصدر بعدها عفوا شبيها في قضية الماريوت.</p><p>أن ينتظر الحكم النهائي في كل قضية، وإذا ماكان بالإدانة  يصدر الرئيس قرارا بالعفو، استنادا لأن العفو عن متهم في قضية منظورة هو أمر لا يجب أن يكون معتادا تعزيزا لفكرة احترام القانون.</p><p>أن ينتظر انعقاد البرلمان بعد أشهر، ووضع هذه القوانين كأولوية للتعديل والمراجعة التشريعية بما يفرج عن المتهمين بعد تغيير القانون.</p><p>فهل يأخذ السيسي زمام المبادرة مرة أخرى؟ أم ينأى بنفسه  تاركاً القضية للبرلمان والقضاء؟ </p>