التوقيت الإثنين، 06 مايو 2024
التوقيت 07:14 ص , بتوقيت القاهرة

الرئيس والمواطنون المسيحيون

<p style="text-align: justify;">في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر الحديث، قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أثناء القداس لتهنئة المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح، وفي كلمات رقيقة مُعبرة لمست شغاف القلب قال الرئيس للمصلين: "كان ضروري أن أحضر وأقولكم كل سنة وأنتم طيبين، وأرجو أن أكون مقطعتش عليكم الصلوات، عاوز أقولكم على حاجة، مصر على مدى آلاف السنين علمت الإنسانية والحضارة... وإحنا كمان بنحبكم، وأشكر قداسة البابا، مهم جداً أن الدنيا تشوفنا مينفعش حد يقول غير كده، إحنا المصريين بنسطر للعالم دلوقتى، وبنفتح طاقة أمل، على مدى آلاف السنين مصر علمت الحضارة للعالم، والحضارة انطلقت للعالم كله ولازم نقول إحنا المصريين، عاوز أقولكم إن إحنا إن شاء الله هنبني بلدنا مع بعض وهنسمع بعض وهنحب بعض كويس، وهنحب بعض بجد علشان الناس تشوف، عموماً عاوز أقولكم عام سعيد عليكم وعلى المصريين كلهم وكل سنة وأنتم طيبين جميعًا".</p><p style="text-align: justify;">ويُحسب للرئيس السيسي أنه أول رئيس مصري يهنئ المسيحيين ويلقي كلمة تهنئة أثناء القداس منذ 23 يوليو 1952، فالرئيس محمد نجيب لم يزر الكاتدرائية لأنها في عهده لم تكن قد بُنيت بعد، ولكنه في بداية حكمه زار الكنيسة المرقسية بكلوت بك، أما الرئيس جمال عبد الناصر فقد شارك في وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية بالعباسية فى عام 1965، وشارك مع البابا كيرلس فى الافتتاح في عام 1968، ولكنه لم يذهب لتهنئة المسيحيين في أعيادهم.</p><p style="text-align: justify;"> أمّا الرئيس السادات فقد زار الكاتدرائية مرة واحدة فقط للقاء البابا شنودة عام 1977، وقام بأداء صلاة الظهر داخلها، والرئيس مبارك ذهب إلى الكاتدرائية مرتين: الأولى في عام 2000 أثناء جنازة فؤاد عزيز غالي قائد الجيش الثاني في حرب أكتوبر، والثانية في عام 2006 أثناء تشييع جنازة المستشار حنا ناشد، وكان البابا شنودة وقتها خارج مصر.</p><p style="text-align: justify;"><img src="https://dotmsrstaging.s3-eu-west-1.amazonaws.com/uploads/uploads/222734.jpg" /><br /> أما الرئيس الإخواني  محمد مرسى، فلم يزر الكاتدرائية خلال سنة حكمه رغم زيارته لها من قبل في عهد البابا شنودة، عندما كان رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، ويُحسب للرئيس المؤقت عدلي منصور حضوره في المقر البابوي في عام 2014 للتهنئة بعيد الميلاد ولكنه لم يدخل الكنيسة، أمّا الرئيس عبد الفتاح السيسى فقد فعل ما لم يفعله سابقوه من رؤساء مصر منذ 1952، حيث إنه يُعتبر أول رئيس مصري يهنئ المسيحيين بعيدهم أثناء القداس داخل الكاتدرائية، ولذلك فإن زيارة الرئيس السيسي تستحق بالفعل بأن توصف بأنها زيارة تاريخية.</p><p style="text-align: justify;"><img src="https://dotmsrstaging.s3-eu-west-1.amazonaws.com/uploads/uploads/الرئيس عبد الفتاح السيسي يهنئ البابا تواضروس بالكاتدرائية 6-1-2015 - تصوير محمد محسن‎ (9).jpg" /><br /> وتظهر قيمة هذه الزيارة التاريخية عندما نقارنها بالمواقف السلبية للرئيس السابق محمد مرسي من مسيحيي مصر، ففي خطابه قبل الأخير تحدث مرسي عن مسيحيي مصر فقال: "وأصارحكم بأنني لا أشعر براحة من علاقات فاترة، لا تخطئها عين مدقق خلف الابتسامات واللقاءات البروتوكولية التي تجمعنا مع الأخوة المسيحيين"،  هذا فضلاً عن غياب مرسي ورئيس وزرائه عن حفل تنصيب البابا تواضروس.<br /> </p><p style="text-align: justify;">وتأكيدًا لكراهية الإخوان للمسيحيين قال الدكتور محمد البلتاجي أحد أقطاب الإخوان: "معظم من كانوا في الاتحادية من المسيحيين" حتى أنه بعد صدور فتوى بتحريم التهنئة بأعياد المسيحيين، حاول الإخوان مغازلة المسيحيين بعدها بطريقة «جه يكحلها عماها»، فقال مفتيهم الدكتور عبد الرحمن البر: "يجوز تهنئة المسيحيين في عيد الميلاد ولا يجوز فى عيد القيامة"!! </p><p style="text-align: justify;">وزيارة السيسي للكاتدرائية وتهنئة المسيحيين بالعيد أثناء القداس لها عدة دلالات، الدلالة الأولى أن المسيحيين مواطنون مصريون يتساوون مع كل المصريين دون تفرقة أو تمييز وأعيادهم هي موضع تقدير واحترام، وهذا ما أكده الرئيس بوضوح في كلمته القصيرة البليغة العميقة.<br /> </p><p style="text-align: justify;">والدلالة الثانية أراد الرئيس بزيارته التاريخية للكاتدرائية أن يوجه رسالة إلى المتطرفين أعداء الحب الذين ينشرون ثقافة الكراهية ويدعون لعدم تهنئة المسيحيين بأعيادهم أراد الرئيس أن يقول لهم إنه رئيس لجميع المصريين وأن تهنئة الآخر بعيده لا تعني بالضرورة أن من يقوم بالتهنئة يؤمن بمعتقدات من يهنئه، ولكنها اللفتة الإنسانية الجميلة المُفعمة بالحب والتي تتمنى الخير الدائم للآخر الديني المغاير.<br /> </p><p style="text-align: justify;">والدلالة الثالثة لتلك الزيارة التاريخية هي الاعتراف بالدور التاريخي والوطني لمسيحيي مصر، فالمسيحيون المصريون كانوا بجانب إخوانهم المسلمين في جميع ميادين التحرير وخرجوا للشوارع في 25 يناير 2011 وفي 30 يونيو 2013، ولا يمكن لأحد أن يُقلل من قيمة الدور الوطني الذي قاموا به طوال تاريخهم.</p><p style="text-align: justify;"> والدلالة الرابعة لزيارة رئيس مصر للكاتدرائية هي إعادة الاعتبار للمسيحيين ولكنيستهم، بعد أن اعتدى المتطرفون على الكاتدرائية أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين، وبعد أن احترق أكبر عدد من الكنائس خلال الفترة الماضية، فلقد أعتبر المسيحيون أن هذه الخسائر هي فداء لمصر.</p><p style="text-align: justify;"> والدلالة الخامسة لهذه الزيارة التاريخية أن مصر مُقبلة على مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة لن يُمارس فيها التمييز ضد أي أحد بسبب جنسه أو دينه أو معتقده، مرحلة يتعامل فيها رئيس الدولة بمساواة كاملة مع جميع المواطنين، مرحلة سيحاكم فيها كل من يمارس التمييز ضد الآخر وكل من يحرض على الكراهية، تحية من القلب لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذه الزيارة التاريخية، ونتمنى أن تتكرر هذه الزيارات في الأعياد القادمة، كما نرجو تفعيلاً حقيقياً للمواطنة، وإرساءً فعلياً لقواعد العدالة والمساواة بين جموع المصريين دون تفرقة.</p><p> </p>