التوقيت الأربعاء، 24 أبريل 2024
التوقيت 08:32 م , بتوقيت القاهرة

مشوار السيسي إلى الكاتدرائية

<p style="text-align: justify;">يميز الرئيس السيسي في تعامله مع الإسلامجية أنه ليس منهزما نفسيا أمامهم. قال "ثورة في الخطاب الديني" فهاجوا وماجوا، وكفروه وألبوا عليه، بداية من شيوخهم المتبجحين احتماء بشعر الوجه، وانتهاء بنسائهم المتسترات بالتبرج. <br />        <br />ولم يظهر السيسي تراجعا ولا حاول أن يخفف من وطأة كلامه. على العكس، أعاده في اجتماع مع وفد إعلامي في الكويت حضرته مندوبا عن دوت مصر، بصورة أظهرت أن ما قاله لم يكن وليد لحظة ارتجال، ولا محاولة لتكرار كلام سابقيه فخانه التعبير. تحدث إلينا في هذا اللقاء عن رؤيته لحدود دوره في هذا، وأنه لن يتعامل فيه كحاكم يملي قرارات، إذ هذا الأسلوب لا يفيد، بل إن دوره الحقيقي طرح القضية للمجتمع وتركه يتفاعل معها.</p><p style="line-height: 20.7999992370605px; text-align: justify;">ثم في مساء اليوم نفسه، وقبل أن يفيق الإسلامجية من الصفعة السابقة غير المسبوقة. وبينما يفركون أيديهم انتظارا لما ستسفر عنه حملتهم في أوساط "الشعب المتدين بطبعه"، وبينما - ربما - يفكرون في الخطوة التالية، عاجلهم السيسي بصفعة أخرى غير مسبوقة. فزار المواطنين المصريين المسيحيين بنفسه مهنئا إياهم بعيدهم. </p><p style="line-height: 20.7999992370605px; text-align: justify;"><img src="https://dotmsrstaging.s3-eu-west-1.amazonaws.com/uploads/uploads/الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته للكاتدرائية.jpg" /></p><p style="line-height: 20.7999992370605px; text-align: justify;"><span style="line-height: 1.6;">معنى وجود رئيس الجمهورية في احتفال مواطنيه بعيدهم هو "سيبكوا من العالم التافهة"، أنتم مواطنون درجة أولى، لستم "إخوة"، لستم "هم"، أنتم أنتم. في عيد المسلمين نقول "كل عام وأنتم بخير"، وفي عيد المسيحيين أيضا نقول "كل عام وأنتم بخير". </span></p><p style="text-align: justify;">لاحظي اللعبة اللغوية. لاحظي الفرق بين "أنتم" وبين "الإخوة المسيحيين" التي تساوي هم. لاحظي الفرق بين ضمير الموجود وضمير الغائب. لاحظي الخدعة: لفظ "إخوة" هنا إبعاد نسبي عن "الأصل| ولو بدا غير ذلك.</p><blockquote><p style="text-align: justify;"><strong><span style="line-height: 20.7999992370605px; text-align: justify;">معنى وجود رئيس الجمهورية في احتفال مواطنيه بعيدهم هو "سيبكوا من العالم التافهة"</span></strong></p></blockquote><p style="text-align: justify;">الدولة - المفترض - لا تتعامل على أنها المسلمون بينما المسيحون إخوة لهم. الدولة - المفترض - لا تتعامل على أنها المسلمون بينما المسيحيون "فرز ثان".  هذه مشكلة قسمت الأمة المصرية. </p><p style="text-align: justify;">ثم إنني أظلم الخطوة التاريخية التي خطاها السيسي بزيارته لقداس عيد الميلاد حين أضعها في سياق تعامله مع الإسلامجية، ونسخة الدين التي يقدمونها. فهذا جانب واحد فقط من جوانبها. بل إن أقوى ما في هذا الجانب نفسه هو اختفاؤه. بأي معنى؟ </p><p style="text-align: justify;">السيسي يركز في كلامه عن الموضوع على مفهوم الوطن. يستثمر في الوطن ويترك أنصار "الوطن العنصري البديل" خلف ظهره، يلاحقونه بمحاولات التخريب. </p><p style="text-align: justify;">تخيلي معي. لقد أدرك السيسي الخدعة. لو انشغل بالإسلامجية، لو توقف في الماراثون لكي يجادلهم ويصد الحجارة التي يضربونه بها لبقي معهم على نفس الخط، متقدما خطوة ولكن في متناول أيديهم. لقد أدرك الخدعة التي وقع فيها السابقون، والتي وقعت فيها قوى سياسية. </p><p style="text-align: justify;"><img src="https://dotmsrstaging.s3-eu-west-1.amazonaws.com/uploads/uploads/قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية المركسية بالعباسية بحضور كبار رجال الدولة 6-1-2015 - تصوير محمد محسن‎ (28).jpg" /></p><p style="text-align: justify;">اختار السيسي أن يقطع المسافات، يخطو أنصار الوطن العنصري إلى جانب المضمار لكي يجمعوا الحجارة التي سيضربونه بها، بينما يعدو هو إلى الأمام، ويكسب أرضا. </p><p style="text-align: justify;">في لقائه مع الإعلاميين ردد السيسي كثيرا فكرة المهمة الأولى. مهمة السنة أو السنتين الأول التي يرى نفسه مضطلعا بها. مهمة إعادة اللحمة. التماسك والوقوف على قدمين. </p><p style="text-align: justify;">حين رأيته وسمعته في الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد أدركت ما دار في عقله وهو في الطريق إليها. </p><p style="text-align: justify;">قال لنفسه إنني اليوم ذاهب لمواجهة أخرى في سبيل إنجاز هذه المهمة، تصدرتُ في قرارات صعبة من 30 يونيو إلى مواجهة الإرهاب، ومن الرفع الجزئي للدعم إلى "ثورة في الخطاب الديني". والآن آن الأوان لكي أسير مشوارا آخر عجز من سبقوني عن قطعه، رغم آلاف الخطب عن العيش المشترك والوطن الواحد. مشوار إلى الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد. </p><p style="text-align: justify;"> </p>