التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 09:20 م , بتوقيت القاهرة

عشرية الجزائر السوداء.. إبادة شعب

"سأحكي لأولادي كيف غدروا ببلادي، ضحوا من أجلها الأبطال وحكموها الأوغاد، سأرسم بين الأرض والسماء خارطة بلادي، وقبل أن أموت سأورثها لأولادي، سأرسم في طرف الخارطة قرية جزائرية فيها بيت مهدم، وسأحكي عن عشرية سوداء انفجرت فيها الدماء مشروعة، إبادة هندسها العملاء، ودفع ثمنها آلاف الأبرياء"، هكذا روت هذه الأبيات قصة عشر سنوات من الحرب الأهلية في الجزائر.
العشرية السوداء أو العشرية الحمراء كما يحلو للبعض تسميتها، فلا خلاف كثير بين الأسود والأحمر، فالأول حدادا على الأشخاص الذين سقطوا، والأخير لون الدماء التي صبغت تراب الجزائر بحمرة الخجل، من تعارك أبناء الشعب الواحد سعيا خلف منصب سياسي زائل. 
بدأت القصة في نهاية 1992، وتحديدا في ديسمبر/كانون الأول، عندما فازت الجبهة الإسلامية الجزائرية للإنقاذ، بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية، وذلك بحصولها على 188 مقعدا من أصل 232 مقعدا، وهو ما نزل على قيادات الجيش الجزائري وقع الصدمة خوفا من استيلاء الجماعات الإسلامية على مقاليد الحكم في البلاد، فما كان منهم سوى السعي بكل الطرق للحيلولة دون تنفيذ هذا الإرادة الشعبية.



إلغاء نتيجة الانتخابات التشريعية، هكذا كانت الطريقة لمنع وصول الجبهة الإسلامية الجزائرية إلى البرلمان، وبالرغم من اعتراض رئيس الجزائر حينئذ، الشاذلي بن جديد، والذي تولى مقاليد الحكم في 1979، على هذا القرار، وذلك لأنه وعد شعبه بأن تكون النتائج من اختيار الشعب، فما كان من جنرالات الجيش إلا زحزحته من المشهد السياسي، وإجباره على الاستقالة في 1992. 


وبإزاحة الرئيس "بن جديد" من المشهد، كان لابد من وجود من يحل محله في إدارة هذه الأزمة، فلجأ جنرالات الجيش إلى تأسيس المجلس الأعلى للدولة والذي يتكون من 5 أعضاء وهم الجنرال خالد نزار (وزير الدفاع) وعدد من الشخصيات السياسية الجزائرية مثل "علي كافي" و"علي هارون" و"التيجاني هدام" و"محمد بوضياف" الذي تولى رئاسة المجلس الأعلى الذي كان بمثابة مجلس رئاسي لحكم الجزائر.
ولأن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، ليس فقط في علم الفيزياء، بل أيضا في السياسة، فاشتد غضب الجماعات الإسلامية اللاتي اعتبرت هذه القرارات بمثابة إعلان حالة الحرب عليهم ليس هم بمفردهم، بل والعديد من الشعب الجزائري الذي منح ثقته وصوته لهؤلاء النواب، ووجد هو الآخر في قرار إلغاء نتيجة الانتخابات البرلمانية انقلابا على رأيه وكسر لكلمته.


وبدأ الفصل الأول من المجزرة التي استمرت طوال 10 سنوات، في يناير/كانون الثاني 1992، حيث قررت الجماعات الإسلامية الرد على قرارات اعتقالهم من قبل الجيش الجزائري بحملة اغتيالات وتفجيرات واستهداف لشخصيات ومنشآت مدنية حكومية جزائرية.



حرب غير متعادلة القوة والموازين، بحسب خبراء سياسيون جزائريون، فلم تكن هناك مواجهات مباشرة بأسلحة ثقيلة أو بين جيشين، بل كانت بين جيش منظم يملك مختلف الأسلحة العسكرية البرية والجوية، وجماعات مسلحة سلاح خفيف أساسه الكلاشنكوف.


عشر سنوات، لم تكف الأرض خلالها عن فتح فمها لترتوي بدماء جديدة، ليست دماء عدو غاشم يريد السيطرة على مقاليد الحكم، بل دماء أبناء الوطن الواحد، لتنتهي الحرب الأهلية في عام 2002 حاصدة معها ما يقارب من 200.000 مواطن، إضافة إلى اختفاء العديد من الأشخاص لم يعلم عنهم أحد أي معلومة لحظة كتابة هذه السطور، وذلك في معركة سياسية لم يدفع ثمنها سوى الأبرياء، الذين لا يريدون من الحياة سوى العيش بشكل يحفظ أدميتهم.


وأسدل الستار على الفصل الأخير من القصة الحزينة بعقد ميثاق للسلم والمصالحة الوطنية، وبإجراء الانتخابات الرئاسية ليتولى الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة حكم الجزائر في 15 أبريل 1999، وبالرغم من مرور ما يزيد على 12 عاما على هذه المجزرة إلا أن لم يحاكم أي أحد من قيادات الجيش الجزائري وقتها على دماء الجزائريين.