التوقيت الجمعة، 26 أبريل 2024
التوقيت 01:04 ص , بتوقيت القاهرة

"شنكل" الحكومة.. وقائع تنتظر الشفافية

"شنكل الوزارة".. الحكاية التي دارت بين الفنانين فؤاد المهندس وحسن مصطفى، في فيلم "أرض النفاق"، والتي تعكس إهدار المال العام بالوزارات، قصة سينمائية لها ما يدللها من وقائع داخل الحكومة. لم تكن واقعة بدل الغذاء، المتهم فيها سكرتارية وزير التربية والتعليم، إلا قصة واحدة في سلسلة من القصص، التي تعج بها أروقة الحكومة، ووصلت لمبلغ 222 ألف جنيه، في 195 يوما، بما يوازي 1140 جنيها يوميا، بما فيها أيام الإجازات الرسمية والأعياد.

الغذاء وبدلات السفر والإقامة، والأقلام والأوراق والإتصالات الهاتفية، تعرف باسم "نثريات الحكومة"، والمقصود بها المواد الصغيرة التي تستهلك أموال الدولة، ورغم أن واقعة وزير التربية والتعليم لا تزال قيد تحقيقات النيابة العامة، إلا أن وقائع مماثلة، انفرط عقدها للعامة، من واقع تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، التابع لرئاسة الجمهورية، والذي تصنف تقاريره بين "سري" و"سري للغاية".

وقائع مماثلة.. الغذاء ليس وحيدا

واقعة لكبار مسؤولين في هيئة السكة الحديد إبريل الماضي، كشف عنها الجهاز المركزي للمحاسبات، بكشف فواتير هواتف محمول كبار المسؤولين، بالهيئة والسائقين والعاملين، ويبلغ عددها 10 آلاف خط، والتي توضح استهلاك مكالمات بمليوني و398 ألف جنيه.

وبخيط ممتد، انضم وزير الاستثمار في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، يحيى حامد، إلى السلسلة، بعد أن طلب مستشار للوزير، صرف حوالي 80 ألف جنيه لشراء وجبات غذائية، وهو ما رفضه مدير القطاع، بحسب تصريحات مدير القطاع المالي بالوزارة، محمد نجيب، لبرنامج "مانشيت".

يقول الوكيل السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، عاصم عبدالمعطي، "إن نثريات الحكومة تختلف من قطاع لآخر، وهو ما يجعل ضرورة انتظار الرد على تلك التقارير، لأنه يمكن أن يكون الأمر ليس في إطار الفساد، ولكن ضمن حقوق الموظف"، مشيرا إلى أن القانون يحدد البدلات الحكومية لوجبات الغذاء، بنسبة 40% من الراتب، وألا تزيد عن 100%، و"إن وصلت لتلك النسبة، تحتاج توقيع رئيس الوزراء".

كله بالقانون

ويشير الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات لـ"دوت مصر"، أن أحد أزمات إنفاقات الحكومة البسيطة، تكمن في الفوارق بين جهة وأخرى، ضابا المثل بموظف على نفس الدرجة والمؤهل وسنوات الخبرة مع آخر، الأول في مكتب وزاري والآخر في حي أو محافظة، لكن بدلات الأول ترتفع كثيرا عن الثاني، و"كله بالقانون"، بحسب تعبيره.

 

ويضيف عبدالمعطي، "أن كثيرا من البدلات للغذاء والسفر وغيرها من أوجه الإنفاق، تخضع للمحاباة والمجاملة، لأنها محكومة للائحة الداخلية للجهة الحكومية أو القطاع العام، والتي تختلف من جهة لأخرى، بعكس القانون الموحد على جميع الجهات"، مشيرا إلى ضرورة أن تكشف الحكومة وقائع الفساد، إعمالا بمبدأ الشفافية، الذي توقع مصر على اتفاقيته الدولية.

الشفافية وسرية التقارير .. "دونت ميكس"

يوضح المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مالك عدلي، أن الأزمة تكمن في سرية تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي تكشف عن الفساد المالي أو الإداري في أي جهة حكومية، مشيرا إلى "أن المنظمات الحقوقية لا تستطيع التقدم للجهات القضائية ضد وقائع فساد، إلا إذا كانت لديها أوراق ثبوتية لتلك الوقائع، وهو ما يصعب الحصول عليه في إطار السرية الشديدة، حتى من الجهات الرقابية، وهو ما يخالف حق المسألة المجتمعية، وبنود الشفافية الدولية".

 

وأضاف عدلي لـ"دوت مصر"، "في ظل عدم وجود مجلس للشعب، فتلك التقارير من الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي تكشف نثريات الحكومة وبنود إنفاقها، تظل حبيسة الأدراج، وتدبيس المخالفات في بنود أخرى، كالورق ورقنا والدفاتر دفاترنا"، مضيفا أن عددا من جرائم إهدار المال العام تظل سرية، ما جعل مصر تحصل على مركز متقدم في مؤشرات الفساد.

تقرير الخارج تكشف انحرافات الداخل

تقارير دولية بحسب عدلي، تكشف من الجهة الأخرى، عن الأموال التي تتلقاها مصر من أجل قطاع بعينه، وترصد في أي بنود تم إنفاقها، أو إهدارها، مثل تقارير البنك الدولي التي تكشف بنود الإنفاق.

ويعقب: "يعني بنعرف مصادر الإنفاق من برة مش من جهات داخلية، لأن الخارج بيحترم مباديء الشفافية، وهنا محدش بيعرف حاجة"، مشيرا لضرورة خروج تقارير كشف وقائع الفساد للنور.

رحلة التقارير الكاشفة لوقائع نثريات الحكومة، تتخذ منحى آخر عقب الكشف عليها، وبحسب مصدر من الجهاز المركزي للمحاسبات، فإن تلك التقارير التي تبرز مخالفات أيا كان نوعها، يتم إرسالها إلى الجهة الإدارية المخالفة، من أجل الرد عليها، في مدة حددها القانون بـ30 يوما، لإمكانية ورود تقرير خاطيء، كما يلزم الدستور والقانون العاملين في الجهات الإدارية، بالرد على تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات.

إذا لم يتم الرد على التقارير المخالفة؟

في تلك الحالة، تتخذ الشئون القانونية بالجهاز المركزي للمحاسبات الإجراءات، وفقا لقانون العاملين بالدولة مادة 77، وتحويل تلك المخالفات إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة، للتحقيق في الواقعة، واتخاذ الإجراءات اللازمة قانونيا.