التوقيت السبت، 20 أبريل 2024
التوقيت 02:44 ص , بتوقيت القاهرة

شبح التهجير يهدد نزلة السمان.. والأهالي: مش هيحصل طيب

التقيت منذ عدة أسابيع رئيس قطاع الآثار المصرية، الدكتور يوسف خليفة، في حفل افتتاح حرم تمثال أبو الهول، بعد الانتهاء من عملية ترميمه على مدار شهرين كاملين، ما كُلل بحفل افتتاح حضره رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، ووزير الآثار، ممدوح الدماطي، ضمن عملية تطوير كبيرة لمنطقة هضبة الأهرام، شمل تمهيد الطرق ووسائل التأمين.


المشروع المقترح دفعني إلى سؤال الدكتور خليفة "ماذا بعد؟ وما هي الخطوة القادمة التي ستسلكها وزارة الآثار لتطوير منطقة الأهرامات؟"، ليجيبني بحماس "القادم مفاجئة.. عملية إزالة وتطوير لمنطقة نزلة السمان، لتتناسب مع طبيعة هضبة الهرم الأثرية، وهذا لا يعني الاستغناء عن أهلها بالطبع، لكننا سنعوضهم بأماكن قريبة لأنهم وتجارتهم حتما من المكونات الأساسية التي تخدم المنطقة".


استوقفتني عبارة "إزالة نزلة السمان"، فعادة ما نسمعها كل فترة، ما دفعنا إلى التوجه لنزلة السمان للاستماع إلى أهلها، وقياس مدى تقبلهم للفكرة، واستعدادهم لتنفيذها.


في ساعة متقدمة من الليل، انتشرت أعمدة الإضاءة في صفوف متوازية على أرصفة شارع أبو الهول السياحي، الذي يتوسطه حديقة نزلة السمان، منتزه أطفال المنطقة، ومقهى كبير رجاله وشبابه، ترتكز في بداية الشارع عربات "الحنطور" بخيولها اليقظة لتلقط أي سائح أو منتزه يدلف إلى المنطقة.


محال تجارية منتشرة على الصفين، منها ما احتفظت بنشاطها الذي يخدم السياحة، ومنها ما استسلم لليأس وفضل تجارة الملابس والسلع الخدمية، وفاصل عريض وسط الشارع يعد مفرقا مؤدي إلى مدخل الأهرامات من اتجاه الصوت والضوء، تكدس فيه أصحاب الخيول ومحلات العطور والبازارات السياحية، الذين لم يحد من تأهبهم ندرة السائحين أو انسدال ستائر الليل.



يفتح "دوت مصر" نقاشا بين أحمد ومحمد راعيا الخيول حول رأيهما في فكرة الإزالة فحواه "هما عايزين يقلبوا نزلة السمان موقع سياحي، لو هما شايفيين إننا ممكن نروح مكان تاني أحسن، أهم حاجة يكون فيه مكان لينا وللخيول ويكون قريب من أهل عيشنا".


ويكمل أحمد وهو يضمد جراح قدم فرسه الأسمر "إللي معترضين على الإزالة ليهم اسطبلات هنا، إنما احنا عايزين محدش يقطع عيشنا"، ليؤيده رفيقه محمد بالقول "لو هيودونا المريخ إحنا عايزين ناكل عيش".


إلا أن أبو طالب اسماعيل، الذي كان يجلس على دكة كبيرة أمام منزله، كان له رأي آخر، حين قال "البلد دي من زمان بتاعة أسر وعائلات وده مصدر شغلنا، احنا اتربينا هنا وبنشتغل هنا"، ليفسر كلماته سلومة الدوني، مستأجر محل عطور في البيت نفسه، "إحنا زي السمك لو طلعنا من البحر نموت، لو هدوا البيت ده دلوقتي، أروح بالمحل بتاعي فين، هيجيلي الزبون في 6 أكتوبر؟!.


انفعل التاجر ذو الجلباب الرمادي والعمامة الصعيدية، متابعا "إحنا هنا بننزل الشارع إن شالله الفجر، وأنا مش هسيب بيتي لو عطوني في المتر 20 ألف جنيه"، مستنكرا فكرة وجود آثار تحت المنازل بنزلة السمان قائلا "وعشان يدوروا عالآثار يخربوا بيتي أنا، حتى لو عندي آثار هما مالهم، وتعويضهم ده هيكون 50 أو 100 ألف جنيه، بس لو أجبرونا عالإزالة مش هيحصل طيب، ومافيش حاجة اسمها بالعافية".



امتعض التاجر النحيل من فكرة تشبيه مصير نزلة السمان بالنوبة أو سيناء، معربا عن ذلك بقوله "إحنا غير سينا والنوبة، النوبة كان علشان ضروري، وسينا علشان بيعملوا حاجات غلط، عاملين أنفاق تحت الأرض، وبيهربوا مخدرات وسلاح، إحنا بقة شغالين في السياحة، لو مشينا من هنا هنشتغل إيه؟!، ده احنا بنخاف عالهرم أكتر من الحكومة".


حاول الدوني المقارنة بين نزلة السمان منذ عشرات السنين والآن، مؤكدا أنها حاليا امتلئت بالأغراب، على الرغم من كونها منطقة خاصة بالعائلات والبشوات، ناهيك عن حال السياحة الذي تأثر بالأحداث الأخيرة، معربا عن ظنه في فكرة الإزالة "إلي أعرفه إنهم عايزين يهدوا البلد مش علشان الآثار، عايزين يبنوا قرى سياحية وفنادق، مهما سهل يجيوا يفحتوا في بيتي وياخدوا الآثار ويدوني مبلغ أرجع أبلط البيت، إلي مبيخافش هو إلي بيفحت تحت بيته وبينقب على آثار، لكن إحنا ناس بنخاف، ولا ميت آثار تعوضنا".


زاهي حواس


أشار إسلام، الشريك الثالث للجلسة، إلى أن فكرة الإزالة هي بنت أفكار وزير الآثار الأسبق، زاهي حواس، مضيفا "هو من يوم ما اشتغل في الهرم، وهو قايل البلدي لازم تتشال، وأديها هتتشال"، وعن رد الفعل المتوقع من الأهالي أردف الشاب الممتلئ "الأهالي هنا لو وقفوا مع بعض وقالوا ممنوع الإزالة، محدش بيته هيتهد، إحنا عائلات يوم ما حد يجي يضرنا أهلينا هما إلي هيقفوا معانا".



إيه المشكلة؟


"لو هيعضونا.. إيه المشكلة" هكذا استهل عادل كلامه المؤيد لفكرة الإزالة إذا كان التعويض مجديا، قائلا "أنا مش شغال في السياحة، بس ميهدليش بيتي ويسيبني أبات في الشارع، هنا المحل الصغير له قيمة، ميجوش بعد ما الحال اتصلح بعد الثورة بقة عايزين يمشونا".


وعن مبررات تأييده لفكرة الإزالة أكمل "لو فيه مصلحة عامة للبلد إحنا أول ناس نهد بس عوضني، إحنا بيوتنا تحتها صفايح زبالة، ومنطقة سن العجوز تحتها معبد كامل أكبر من معبد الكرنك"، وعن شروطه للتعويض المطلوب قال "لو عوضونا ببيوت في نفس المستوى مش أقل، وعملوا أماكن مخصصة للخيل بدل ما ولادنا بيمرضوا من ريحة روث الحيوانات، إيه المانع؟، ده كلام الناس الطبيعيين".


تعويض غير مرضي


جلس علاء الحلو داخل بازاره غير المرتب، على مكتب صغير في أحد الأركان يفاوض نفسه بصوت عالٍ في فكرة التعويض، الذي رأها غير مجدية، خصوصا أن الحكومة لن تستطيع تعويضه عن بيته المبني على 900 متر، ومحالات عائلته الكبيرة المتناثرة في المنطقة، ناهيك عن تجمع العائلة والأصدقاء بالمنطقة نفسها، الذين لن يستطيعوا التجمع في مكان آخر.


أما عن تحليله لفكرة الإزالة، فهي نابعة من وجهة نظر مشروعات استثمارية لصالح دولة الإمارات، التي استأجرت مشروع الصوت والضوت، وتطمع على حد تعبيره في استئجار البلد وتحويلها لمشروع استثماري كبير، ما سيرجع بعائد كبير عليها، أما الحل الوحيد من وجهة نظره هو أن تترك الحكومة حرية التفاوض بين أهالي نزلة السمان والمستشمرين أيا كانوا لإمكانية احتساب تعويض مرضي لكلا الطرفين.


وعن مبررات الدولة المعلنة لفكرة الإزالة، رد الحلو "فكرة إنهم يهدوا البلد علشان تحتها آثار فده عذر أقبح من ذنب، ماهي مصر كلها فرعونية وتحتها آثار، والفسطاط إسلامية وكلها آثار، هيهدوا البد كلها؟!"، كما رفض المقارنة بين نزلة السمان وإزالة وتهجير أهالي سيناء والنوبة "إحنا مش زي سينا والنوبة، هما ليهم ظروفهم".


ودافع الحلو عن أهل بلدته ومنطقته بعبارات "أيام السادات ومبارك كان في إرهاب، وحصل مذبحة الأقصر، والدير البحري، وأسوان، وشرم الشيخ، حتى المتحف المصري، إنما هل قدر الإرهاب على نزلة السمان".



الحل


أما الحل من وجهة نظر المحامي سامي أبو خالد، أحد أبناء المنطقة، أن تأتي الحكومة لتتفاوض مع أهالي النزلة، وفي الوقت نفسه يكون هناك رؤية واضحة لتطوير المناطق العشوائية، أما حل الإزالة لن يكون مقبولا.


وهو ما اتفق معه، خالد فايد، رجل الأعمال وصاحب أحد متاجر الملابس التراثية، الذي قال إنه جلس أكثر من مرة للتفاوض في الأمر مع وزير الآثار، ومحافظ الجيزة وأوضح لهما أن تعداد نزلة السمان تعدى 250 ألف نسمة، إلا أن الواجهة يتصدرها الخيالة ما أعطى انطباعا سيئا عن ها، مؤيدا وجهة النظر التي تقول إن حواس هو من تعمد تضيق الخناق على النزلة.


ومع ذلك فإن فايد مع إزالة منطقة سن العجوز، التي تضر بالنزلة من وجهة نظره، كما أنه أعرب عن استعداده للتنازل عن نصف بيته من أجل تطوير المنطقة، بينما أمر التهجير مرفوض بالنسبة له.



الإسكان تنفي والآثار تأكد


بسؤال وزير الإسكان، مصطفى مدبولي، بمخاوف أهالي نزلة السمان، أوضح لـ"دوت مصر" أن تطوير نزلة السمان هو أحد مشروعات تطوير المناطق التاريخية في مصر، وهو يهدف فقط إلى تحويلها إلى منطقة حضارية، وتهذيب المناطق العشوائية هناك، لتكمل منطقة هضبة الأهرامات، ويحدث فيها نقلة نوعية مع مراعات البعد الاجتماعي لسكانها، وتطوير حياتهم بالكامل.


ورد وزير الإسكان بحسم على أقوال المسؤولين عن كيفية الإزالة قائلا "مافيش إزالة.. المنطقة الوحيدة التي ستزال هي سن العجوز لكونها غير آمنة، طبقًا لتعريف صندوق تطوير العشوائيات ووزارة العشوائيات".


إلا أن تلك التصريحات تعارضت مرة أخرى، حينما حرصنا على التأكد مرة أخرى من رئيس قطاع الآثار المصرية، حول تفاصيل المشروع، الذي أكد "هو مش إزالة بمعنى إزالة، إحنا منقدرش نستغنى عن أنشطة أهالي نزلة السمان، لكن إحنا هنبعدهم كيلو واحد فقط عن أماكنهم الحالية، وهيتعوضوا ببيوت ومحلات زي بيوتهم وأحسن".