التوقيت الخميس، 28 مارس 2024
التوقيت 09:02 م , بتوقيت القاهرة

حازم حسين يكتب: إخوان تونس شركاء للإرهاب فى سيناء

إخوان تونس شركاء للإرهاب فى سيناء
إخوان تونس شركاء للإرهاب فى سيناء
عدوّك الصريح لا يُمكن أن يُطفئ النار فى بيتك، بل يستميت من أجل إشعالها. من هذا المنطلق يُمكن تفسير كل مواقف الإخوان تجاه مصر، بعدما اختزلوا الوطن بكامله فى معركتهم مع مؤسسات الدولة، وصراعهم الوهمى على السلطة.

العداء الذى تحمله الجماعة تجاه مصر ما بعد 30 يونيو، قادها إلى الشراكة المباشرة مع أطراف مُعادية وكارهة للدولة المصرية. فاتخذت من قطر وتركيا مقرات، وعملت بأموال البلدين وبتكليفات من أجهزتهما الأمنية. ومع تلك الوضعية يصعب افتراض حُسن النية من الأطراف الثلاثة، ومن حلفائهم فى التنظيم الدولى للإخوان وفروعه الإقليمية والخارجية، بل يتوجب الشكّ فى كل ما يصدر عنهم، وحمله على الوجه السيئ، حتى لو توسلوا كل الأدوات الخادعة لإيهام المتابعين بالموضوعية وبياض الوجه!

 

من هذا الباب، تتاجر الجماعة الإرهابية بأخبار مصر ومشكلاتها، سعيا إلى التعقيد لا الحل، وأملا فى إشعال الجبهة الداخلية لا تهدئتها. وبالمنطق نفسه جاءت أحدث حلقات التوجيه والاستغلال سيئ النية، من خلال محاولة يقودها إخوان تونس للتشكيك فى عقيدة مصر تجاه سيناء، ومحاولة خلط الأوراق، وتشويه القيم، وتجاوز ضوابط التاريخ والقانون، من أجل صياغة رسائل تشكيك ناعمة، تستكمل مسلسل التحريض والحرب المعلنة من خلال قنوات الجماعة ومنصاتها الصريحة فى أوروبا والدوحة وإسطنبول.

 

بنت الغنوشى وسليمان خاطر

 

التاريخ لا يتقادم، ولكن كان غريبا أن يُسخر موقع تونسى جانبا كبيرا من اهتمامه لاستعادة حكاية غير مركزية من الماضى، وتتصاعد الغرابة مع الدخول إلى تفاصيل الرواية التى يقدمها، واكتشاف أن الاستدعاء لم يكن بريئا، وإنما يأتى فى سياق الرؤية المعتمَدة من التيارات الأصولية، لا سيّما الإخوان وتنظيمها الدولى، تجاه الدولة المصرية وعقيدتها نحو سيناء، وهو المسار الذى يعود إلى أكثر من 40 سنة، ويحمل استهدافا مباشرا لأرض سيناء نفسها، كما لو كان طمعا فى تحقيق مصالح شخصية لتلك التيارات فيها، أو عملاً مُباشرًا فى خدمة أطراف خفية!

سمية الغنوشي

ملخص القصة، أن موقعا يحمل اسم "مجلة ميم" أعاد إنتاج حكاية سليمان خاطر على وجه غير دقيق وغير نزيه، وبقدرٍ عالٍ من العاطفية والشحن النفسى، وتسلسل حكائى وصياغات لغوية موجّهة لإدانة الدولة المصرية، وإبراز الأمر كما لو كان تفريطا منها فى سيناء. وبعيدًا من التفاصيل والتفنيد المنطقى لما اشتملت عليه المعالجة عدائية الطابع، فإن حكاية المنصّة نفسها ربما توفر الجانب الأهم من التفسير!

تُعلن "ميم" عن نفسها بوصفها "مجلة تونسية"، ترأس تحريرها سمية ابنة راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب فى تونس، لكن المفارقة أن البحث عبر صفحة المجلة بمواقع التواصل، ومن خلال ما يتوافر عن موقعها من بيانات ومعلومات، يكشف أن ملكيتها تعود إلى شركة تركية اسمها "Viral Medya"، وأن تقارير ومُداخلات عديدة لإعلاميين تونسيين اتهمت ابنة زعيم إخوان تونس بمخالفة قانون البلاد الذى يحظر الاستثمارات الأجنبية فى الإعلام المحلى، فضلا عن اتهامات أخرى بالتبعية لأجندة أنقرة المستهدفة لتقويض المصالح التونسية، وتلقى تمويلات مباشرة من مؤسسات تركية وقطرية، إضافة إلى عقد اتفاقات شراكة وتعاون فى إنتاج المحتوى مع شركة "انتيجرال ميديا" التى يديرها وضاح خنفر من إسطنبول، وتطلق عددا من المواقع والمنصات الدعائية الموجهة، ومع "فضاءات ميديا" المالكة لموقع وتليفزيون العربى ويقودها عضو الكنيست الإسرائيلى السابق ومستشار أمير قطر الحالى عزمى بشارة.

هوية المجلة وملكيتها، وطبيعة تحالفاتها مع الفلسطينى خنفر والإسرائيلى بشارة، تحمل ما يكفى من التفسيرات لانحيازها ضد مصر، أو إنتاجها مواد ورسائل موجهة تسير فى ركاب الرؤية الإخوانية. فإذا كانت الجزيرة وقنوات الجماعة تُسخّر كل طاقتها لتزييف التاريخ وإعادة إنتاج الحكايات على وجه يوافق سردية الإخوان، ويُضاد المصالح المصرية الاستراتيجية، وآخرها تشكيك بعض تلك الأجنحة فى انتصارات أكتوبر، والسخرية من الأبطال والمقاتلين وما حققوه بدمائهم، فليس غريبًا على "إخوانية تونسية" وابنة زعيمهم الغنوشى أن تستكمل هذا المسار، أو تحاول تحريف الحكايات بما يخدم أهداف الجماعة، أو يوافق تطلعات حلفائها ومموّلى مجلتها "ميم"، وكلهم تقريبا ممن يُديرون منظومة الإعلام القطرى والتركى الناطق بالعربية، وينخرطون بشكل مباشر فى حرب دعائية مفتوحة ضد مصر.

 

التشكيك فى عقيدة مصر

 

أوائل العام 2008 اقتحمت عناصر حركة حماس الحدود المصرية، وتكرر الأمر عقب ثورة 25 يناير 2011 فى قضية شهيرة، تورطت فيها الحركة فى تهريب موقوفين من أعضائها وجماعة الإخوان بالسجون المصرية. وخلال الشهور التالية تشاركت الحركة مع الإخوان فى تنفيذ عمليات غير قانونية داخل مصر، وتصاعد ذلك عقب ثورة 30 يونيو. وفى غضون كل ذلك ساعدت الجماعة الإرهابية وفروعها فى غزة وتونس وغيرها، فى تنشيط مراكز التطرف التقليدية، وتأمين تدفق الإرهابيين على سوريا وليبيا واليمن وسيناء، والأخيرة موثقة باتصالات رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان المعزول محمد مرسى، مع محمد الظواهرى وبعض الإرهابيين فى سيناء، واعتراف محمد البلتاجى عقب فض اعتصام رابعة بأن العمليات الإرهابية فى سيناء ستتوقف تماما فور عودة "مرسى" للسلطة!

جرّاء كل تلك الممارسات، تكبّدت مصر فاتورة باهظة من أمنها واقتصادها ودماء مواطنيها، المقاتلين والمدنيين على حد السواء. فى مقابل ذلك سجّلت المنصات الإعلامية التابعة للإخوان، والمتحالفة معها من باقى أجنحة التنظيم أو مؤسسات قطر وتركيا، انحيازا واضحا للإرهاب، بينما تواصل نشاط الدوحة وأنقرة فى دعم التيارات المتطرفة والميليشيات المسلحة، وإمدادها بالأموال والأسلحة والمقاتلين من المرتزقة السوريين وعناصر الجماعات الأصولية والتكفيريين فى شمال أفريقيا وبعض بلدان المنطقة، مع مساندة واضحة من النوافذ الإعلامية للبلدين والجماعة لكل تلك التحركات المخترقة للقانون ومُحددات الأمن القومى للمنطقة وبلدانها.

بالتزامن مع تلك الأنشطة، لا تتوقف المُعالجات الإعلامية المصنوعة والملوّنة، بغرض الإيحاء بتفريط مصر فى أمنها ومصالحها، والتشكيك فى عقيدتها الصلبة تجاه سيناء على وجه التحديد، رغم ما سدّدته من التزامات وكُلفة باهظة لتحرير الأرض بالعام 1973، ثم استعادة ما تبقى منها عبر مسار المفاوضات والتحكيم الدولى، وصولا إلى الحرب المفتوحة مع الإرهاب المدعوم من تركيا وقطر والإخوان منذ العام 2011. وفى القلب من كل تلك التعقيدات تأتى بعض المُعالجات الموجهة لتحاول استغلال الوقائع، والنبش المغرض فى حوادث الماضى، واجتزاء المواقف وتشويهها لخدمة الفكرة الأساسية التى تنحاز إليها تلك الجبهة بكاملها، وهى التشكيك فى مواقف مصر تجاه أرضها وأمنها القومى، ومحاولة خدمة مخططات العناصر الإجرامية التابعة لإشعال الأرض، وسلخ سيناء من جسد مصر!

 

اعتراف الجماعة بالإرهاب والقتل

 

الثابت فيما يخص إدارة الملفات الأمنية والاستراتيجية، أن مصر دولة ذات رؤية إنسانية وأخلاقية، تنسجم مع ضوابط القانون الدولى، لذا فإنها عقيدتها المستقرة لا تقبل استهداف المدنيين، ولا تُشجّع عليه. لهذا قد يُمثّل موقف سليمان خاطر فى نظر البعض اختراقا للمعايير الإنسانية. صحيح أنه شاب مصرى غير محسوب على دوائر التطرف، ولا يمكن التشكيك فى وطنيته، لكن ربما عبر عن حبه لبلده بطريقة لا تقرّها الاتفاقيات والمعايير الدولية. وبعيدًا من موقفه الذى مر منذ قرابة 4 عقود، فإن معالجة منصات الإخوان للأمر تنطوى على مسألة خطيرة، لا تنحصر فى التشكيك واستهداف الدولة فقط، وإنما تشمل اعترافا ضمنيا من الجماعة بقبول استهداف المدنيين، والترحيب بإراقة الدماء خارج الضوابط والمعايير، وامتداح القتل على الهوية أو التجارة به طالما كان ذلك فى صالح أجندة التنظيم، وربما يُشير ذلك إلى اعتراف من ابنة الغنوشى نفسها، بمسؤولية والدها وحركته عن قتل المعارضين التونسيين محمد البراهمى وشكرى بلعيد!

 

خلال العام 1985 كانت مصر قد استعادت الشطر الأكبر من سيناء حديثا، وتخوض معركة تحكيم دولية شاقة لاستعادة طابا، التى رُفع عليها العلم المصرى بعد بضع سنوات من هذا التاريخ. فى المقابل كان الإخوان متحالفين مع أحد الأحزاب الليبرالية ويُشكلون حضورا واضحا داخل السلطة التشريعية. وقتها تعاملت الجامعة مع واقعة سليمان خاطر باعتبارها خرقا للقانون والضوابط الإنسانية، لكنها اليوم تعود خطوات إلى الوراء لتستدعى الحكاية من جديد، وتُضفى عليها أفكارا وانحيازات سياسية مرتبطة بالواقع الراهن، لا بالماضى ولا السياق الذى جرت فيه الأمور منذ بدايتها حتى إعلان انتحار "خاطر" فى محبسه!

القصة التى جرت قبل 35 سنة لا تمس هياكل الدولة المصرية، ولا تتجاوز حيز الممارسة الفردية الخاضعة للقانون وفق الاعتبارات المؤسسية، لكن استعادتها بعد كل تلك السنوات، فى الوقت الذى يدعم فيه الإخوان وممولوهم أنشطة الجماعات الإرهابية فى سيناء، ويتجاهلون الشهداء من المدنيين وأبطال القوات المسلحة، الذين يسقطون فى معركة مفتوحة مع جماعات تدعمها تركيا وقطر وتوفر لها الأسلحة والإرهابيين، بل يسخرون منهم ولا يقدرون تضحياتهم، لا يمكن النظر إليه بعيدًا عن حملات الإخوان الموجهة، التى تحاول استغلال اسم "خاطر" بالدرجة نفسها التى تعملبها على تشويه المنسى وخالد مغربى وعشرات غيرهما من الأبطال والشهداء!

 

الحقيقة أن الواقعة لا تخص سليمان خاطر، وإن حاولت الإخوان ومنصاتها استغلال اسمه والتجارة به، وإنما تتصل بدرجة أكبر بمسلسل مفتوح من محاولات الاستهداف والتشكيك والطعن فى عقيدة مصر تجاه سيناء، والنيل من مؤسسات الدولة المصرية الصلبة، ربما لأنها العقبة الأكبر فى طريق سيطرة التنظيم وحلفائه على المشهد. ويعود هذا المسلسل إلى أكثر من 40 سنة، منذ بدء المفاوضات الجادة عقب حرب أكتوبر لاستكمال تحرير سيناء، ثم خلال حكم مبارك وهدوء جبهة المواجهة الشرقية. فالواقع أن الجماعة وفرعها فى غزة لا يعجبهم هذا الهدوء، وإلى جانب الأطماع المباشرة فى سيناء، فإنهم يسعون لوضع مصر فى مواجهة مباشرة مع محيطها، وخلق توتر جديد يصب فى مصلحة الجماعة وأذرعها الإقليمية.

 

مقابل هذا الاجتزاء المخل، تشهد سيناء ومحيط منطقة القناة نموا متسارعا فى معدلات البناء ومشروعات الزراعة والتصنيع وشبكات الطرق والمرافق، وفق خطة ممتدة لرفع الكثافة السكانية بالمنطقة، أولا لاستغلال سيناء على الوجه الأمثل، وثانيا لتأمينها ديموغرافيا. أما التطور الأكبر فيتمثل فى بسط السيطرة المصرية الكاملة على كل شبر من أرض الفيروز، للمرة الأولى تقريبا منذ ما قبل العدوان الثلاثى بالعام 1956. والآن تتواجد القوات وفرق التأمين المصرية بكل التشكيلات والوحدات على امتداد خارطة سيناء، وبأعداد ومستويات غير مسبوقة، وكافية تماما للتأمين. لكن يبدو أن تلك النقطة لا تُعجب الإخوان وداعميهم فى تركيا وقطر، لأنها تقوّض أطماعهم وتحركاتهم المشبوهة ضد مصر، لذا تتابع الرسائل المشوهة والمُعالجات غير الموضوعية، بوتيرة محمومة وقدر من التشنج والجنون، حتى أنهم لا يلحظون أن بعض رسائلهم قد تنطوى على اعترافات ضمنية واضحة بكل جرائم قتل المدنيين التى ارتكبوها على امتداد المنطقة العربية طوال السنوات الماضية!