التوقيت الأحد، 05 مايو 2024
التوقيت 12:50 م , بتوقيت القاهرة

وقف التسريبات

بدأت امتحانات الثانوية العامة لهذا العام الدراسى هادئة ومبشرة بموسم امتحانات منصف يتلافى الآفات والآثار الكارثية طوال الأعوام الماضية والتي كان من أهمها ظاهرة الغش الالكترونى وتسريب الامتحانات، وما يتبعه من ظلم للطلاب المجتهدين، وقنص مقاعد جامعية غير مستحقة لآخرون نذروا أنفسهم للغش، والأهم من ذلك كله ترسيخ حالة سلوكية لدى أبناءنا الطلاب، باعتبار الغش هو الطريق الأمثل للنجاح، مما يترتب عليه إغتيال شخصية الطلاب وما يستتبع ذلك من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على مستقبلهم.
صحيح أن الدولة المصرية قد عانت صدمة كبيرة مع إنتشار أولى صفحات الغش الالكترونى المعروفة بين الطلاب بصفحات شاومينج، والتى واصلت تسريب الامتحانات لثلاث أعوام متعاقبة فى تحدى بالغ القبح لكل القيم والأخلاق، لكن يبدو أن هذه الصدمة هى التى أفقتنا من غفلتنا لنتعامل مع الواقع وإكتشافنا لضرورة تطوير منظومة التعليم بالكامل، وإهتراء الشكل القديم وعدم جدواه مع جيل شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة.
ورغم أن اختبارات الثانوية العامة لهذا العام تعد مرحلة انتقالية بين النظام القديم الذى يعتمد علي الامتحان النهائى فى تقييم وتوزيع الطلاب على الجامعات، وبين النظام الجديد الذى من المنتظر بدء تطبيقه العام المقبل الذى يعتمد على التقييم التراكمى للطلاب، وقياس مدى استيعاب الطلاب للمناهج فعليا، إلا أن الإجراءات الصارمة لمكافحة تسريب الامتحانات لهذا العام بدت جلية من اللحظة الأولى.
إذ لأول مرة لم تقتصر المواجهة على تشديد الإجراءات الاحترازية لضمان سرية الامتحانات، وهو أمر صار ضربا من المستحيل فى ظل التطور التكنولوجى الهائل، خصوصا فى ظل منظومة وضع الاختبارات وتوزيعها على مستوى الجمهورية اليدوية بالكامل والتى تسمح كل خطوة فيها بتسريب الامتحانات، وهو الأمر الذى من المنتظر أن تتلافاه الخطة الجديدة لتطوير التعليم، وما يستحق الإشادة هنا هى الخطة المؤقتة التى اتخذتها الوزارة حتى بدء تطبيق المنظومة الجديدة التى لا تعتمد على التقييم اللحظى للطالب، بل التقييم التراكمى، الذى يقيس المستوى الفعلى للطلاب على مدار العام الدراسى كله، وقد اشتملت هذه الخطة المؤقتة للمرة الأولى على إجراءات لتعقب ورصد كافة محاولات الغش الالكترونى، وفور تسريب أسئلة اختبار اللغة العربية، تم تحديد الجهة وإغلاق الصفحات التى قامت بنشر الأسئلة.
وكانت الوزارة سابقا تفتقر لردة الفعل الرادعة التى تمنع الطلاب من تسخير المعرفة التكنولوجية الكبيرة التى يتمتع بها هذا الجيل فى سبيل الغش، إذ لم تكن الوزارة لديها الإمكانيات التى تؤهلها لرصد وملاحقة صفحات الغش، وكان الحديث عن ملاحقة صفحة موقع التواصل الإجتماعي المعروفة بـ " شاومينج " تعد أمرا كوميديا فى ظل انعدام كافة الوسائل التكنولوجية التى تساعد على اقتفاء أثره، مثل ملاحقة قطار سيرا على الأقدام.
وتأمل الدولة المصرية فى تطوير حقيقى وكامل لمنظومة التعليم ما قبل الجامعى، وهو الوعد الذى قامت عليه خطة تطوير التعليم التى يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأعلنها وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى الدكتور طارق شوقى، حيث تقوم هذه الخطة على تطوير شامل للمناهج وطريقة تدريسها، فضلا عن منظومة تقييم الطالب ووضع الامتحانات، والتى ستتحول إلى منظومة إلكترونية بالكامل، مع تغيير فكر الاختبار من حيث الحد من الحفظ في مقابل الفهم والإستنتاج، وطريقة توزيعه على أنحاء الجمهورية وعلى الطلاب، بحيث يستحيل تسريب الأسئلة، ويسهل رصد وتتبع الاختبارات، مع وضع خطة بديلة سريعة لمكافحة ظاهرة الغش لبناء جيل جديد قادر على الإستيعاب والتحليل بدلا من الحفظ والصم.