التوقيت الجمعة، 03 مايو 2024
التوقيت 12:32 م , بتوقيت القاهرة

أبو الغيط: الاستقرار مرهون بالجرائة علي التغيير والاصلاح

الامين العام للجامعة العربية
الامين العام للجامعة العربية

شدد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، على ضرورة إعداد الشباب العربي للتعامل مع معطيات ومتطلبات ثورة التكنولوجيا أو ما يسمى "الثورة الصناعية الرابعة"، محذرا في الوقت ذاته من محاولة تقويض الثقة في المؤسسات القائمة، سواء سياسية أو دينية واجتماعية أو ثقافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال أبو الغيط في كلمته خلال المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي "تحديات الفوضى وصناعة الاستقرار" الذي يعقد بدبي، إن البديل لعدم إعدادهم لهذه الثورة هو أن نترك شبابنا فريسة لتقسيم جديد للعمل على المستوى العالمي، لا يحصلون بمقتضاه سوى على الوظائف الدنيا والأعمال ذات القيمة المضافة المنخفضة، مضيفاً أننا نقف على أعتاب ثورة تكنولوجية ضخمة سيكون من شأنها أن تُغير الكثير من القواعد الراسخة في السياسة والاقتصاد والمجتمع.

وأوضح "لقد اصطلح البعض على نعت مجمل التطورات الجارية في المجال التكنولوجي، وعلى رأسها ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والبيانات العملاقة وتكنولوجيا المعلومات بالثورة الصناعية الرابعة"، مشيراً  إلى أن هذه الثورة، شأنها شأن الثورة الصناعية الأولى، ستفرز رابحين وخاسرين.. سيكون لها ضحاياها، وأولهم العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة التي ستقوم الآلات بوظائفها بصورة أفضل، فتنتفي الحاجة إليها.

وتساءل "أبو الغيط"  أين العرب من هذه الثورة الهائلة التي تطرق أبوابنا؟..هل تفوتنا مثلما فاتتنا الثورة الأولى زمناً طويلاً حتى صرنا أسرى للتخلف والاستعمار؟ هل تسهم في اتساع الفجوة بيننا وبين العالم بصورة تتجاوز قدرتنا على تجسيرها؟.

وعلى صعيد العلاقات الدولية أكد  أبو الغيط إن النظام العالمي يمر بحالة غير مسبوقة من السيولة والتنافس - الذي يقترب من الصراع - بين اللاعبين الرئيسيين، وهو تطور يلقي بظلال من انعدام اليقين على كافة التفاعلات والعلاقات الدولية، وأضاف "اليوم تواجهنا تحديات إضافية..مضاعفة ومركبة: كيف نحافظ على الاستقرار في زمن الفوضى؟ كيف نُصون الوحدة في عصر التفتت؟ كيف نبني المؤسسات في زمن تآكل المؤسسات؟ كيف نعصم مجمعاتنا من تهديدات مفاجئة وتصدعات خطيرة صارت جزءاً لا يتجزأ من طبيعة العالم المُعاصر؟، موضحاً  أن هناك ردة فعل عنيفة إزاء ظاهرة العولمة والانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي ووصول الرئيس ترامب إلى مقعد الرئاسة في الولايات المتحدة، ليست سوى أمثلة لتجليات رد فعل غاضب من جانب قطاعات واسعة من مواطني الغرب تشعر أن العولمة خذلتها وفاقمت من معاناتها .

ولفت إلى أنه ليس هؤلاء الرافضون كلهم من الفقراء، ولكنهم يضمون شرائح من الطبقة الوسطى التي لم تتزايد دخولها الحقيقية لعقود..هؤلاء يشعرون بأن حرية التجارة وتعزيز الترابط العالمي لم يصب في مصلحتهم..ومحصلة ذلك هي صعود لتيارات الانكفاء على الداخل، وبناء الجدران العالية أمام التجارة والمهاجرين وكل ما هو قادم من الخارج، موضحاً  "يرتبط بهذا ما نشهده من تصاعد ملحوظ في السياسات القومية المتطرفة والنزعات الشعبوية الجارفة .. والشعبوية بطبيعتها تعتمد على نهج مُغازلة غرائز الجمهور، وتحريك مخاوفه الأولية، عبر طرح شعارات مُبسطة وأهداف براقة .. تعتمد الشعبوية كذلك على اختراع الأعداء وتضخيم المخاطر الداخلية والخارجية".

وحذر أبو الغيط من أن عالماً يقوم على الانكفاء والقومية المتطرفة هو عالم أكثر خطورة، وأشد عرضة للتوترات بين الدول وبعضها البعض، بل بين الجماعات المختلفة داخل الدولة الواحدة..وبالتالي الاتجاه إلى تفتيت الوحدات القائمة إلى وحدات أصغر، على أساس القومية أو العرق أو الدين، لافتاً إلي إنه في مواجهة هذه الاتجاهات التفتيتية المُدمرة في الغرب، ليس أمام دولنا إلا إتقان فن العيش المشترك، وتعزيز قدرة المجتمعات على قبول التنوع والاختلاف باعتباره مصدر قوة وإثراء .

وشدد في هذا الإطار على أن التحدي الرئيسي أمام الدولة الوطنية في العالم العربي هو أن تصير بحق "دولة لكل مواطنيها"، لا مكان فيها للطائفية أو المذهبية أو التيارات المُلتحفة بالدين، مضيفاً أنه في المنطقة العربية، الغنية بالملل والنحل والأعراق، لا مجال أمامنا سوى أن نتعلم العيش معاً..أنه اختبار بقاء لمجتمعاتنا ودولنا ومواطنينا.. فالبديل - كما شهدنا - هو القضاء على الدولة وتشريد أبنائها وتبديد مُقدراتها".

وأشار إلى أن أخطر ما يواجه العالم اليوم من وجهة نظري هو تقويض الثقة في المؤسسات القائمة، ولا أقصد بالمؤسسات السياسية منها فحسب، وإنما الدينية والاجتماعية والثقافية أيضاً، ولا شك أن تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي تدفع في هذا الاتجاه عبر ترويج الأخبار الكاذبة بما يُسهم في تشكيل مناخ مشحون من الإحباط والتشويش والتحريض والغضب واليأس يكون من نتيجته إضعاف الثقة في المؤسسات القائمة، بحيث تصير فريسة سهلة أمام معاول الهدم والتخريب التي يرفعها أعداء الحضارة والإنسانية"، مؤكداً  أن جيل الشباب هم الأكثر عرضة لهذه التأثيرات الخطيرة، وقد رأينا ما يُمكن أن تُفضي إليه من فوضى مجتمعية واضطرابات سياسية.

ولفت إلى أن تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، مثلها مثل أي تكنولوجيا لها ما لها وعليها ما عليها.. إلا أنني أرى، وبواقع تجربة مجتمعاتنا العربية وكذا ما يحدث في العالم الغربي من اختراقات للعملية السياسية والأسس الديمقراطية، أن هذه التكنولوجيا إذا تُرك لها الحبل على الغارب ليست سبيلاً لتعزيز الحرية والديمقراطية، بقدر ما هي قادرة على إفراز أكثر الاتجاهات تطرفاً وغوغائية، وظني أن هذا الملف يتعين أن يلقى الاهتمام والانتباه من المفكرين العرب، فالعزلة والانغلاق لا يمثلان حلاً، ولكن البديل لا ينبغي أن يكون الانكشاف الكامل أمام هذه المؤثرات المُدمرة للنسيج الاجتماعي"، ودعا المؤسسات العربية، سياسية كانت أم دينية أم اجتماعية، أن تُعزز رسوخها لا بالانغلاق والانعزال عن المجتمع والعالم، وإنما بالانفتاح على تجارب الآخرين، والتعلم منها والتفاعل معها.

وأكد أن الحفاظ على الاستقرار لا يعني أبداً الدفاع عن الجمود أو الركود، بل إنه مرهون بالجرأة على خوض غمار التغيير والإصلاح فرض عين من أجل تحصين مجتمعاتنا من فورات الفوضى وشرورها، وقال إن الفوضى تفرض تغييراً بلا حساب ولا هدف ولا غاية معلومة في المقابل، الإصلاح يجلب تغييرات تناسب إيقاع المجتمعات وحاجاتها، مشدداً  أن إصلاح نظمنا التعليمية وتجديد مفاهيمنا الدينية وتطوير رؤيتنا الثقافية هو العلاج الناجع لجرثومة الفوضى التي تتغذى على الركود والتكلس، فالإصلاح والتغيير مطلوبان من أجل صيانة الاستقرار.

أقرأ أيضاً

جلسة مباحثات بين "أبو الغيط" ووزير خارجية البرتغال لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين