التوقيت السبت، 27 أبريل 2024
التوقيت 11:49 م , بتوقيت القاهرة

لهذا لقبوه بالأستاذ.. حكاية فؤاد المهندس مع «حتة مارون جلاسيه» (1)

فؤاد المهندس
فؤاد المهندس

لا يجوز أن يتواجد التليفون المنزلى فى شقة النائمين فجرًا، هذا الرنين المزعج فى التاسعة صباحًا عقاب دنيوى لفنان لا يستيقظ إلا ظهرًا، لمإذا هذا الإصرار على الخروج من هدهدات الحلم لصفعات اليقظة، أيًا كان المتحدث فى الجهة الأخرى، سوف يشعر ببرودة الرد، حتى لو كان المهندس الإيطإلى أنطونيو ميوتشى مخترع التليفون شخصيًا ، سوف يندم على إيقاظ مساعد مخرج تحت التمرين فى هذا الوقت.

ما حاجة العالم للمخرج حسام الدين صلاح، فى التاسعة صباحًا، هل يتألم ميوتشى فى قبره إذا علم برغبته فى تحطيم اختراعه بعد الآنتهاء من المحادثة، بعينين مغمضتين نصف إغماضه يرفع سماعة الهاتف.. ليجد على الطرف الآخر المخرج محمد رجائي، الذى يعمل مساعدًا له فى «فوازير عمو فؤاد»، مع الأستاذ فؤاد المهندس، سريعًا تتبخر سحابة الحيرة التى أمطرت فوق رأسه عندما يبادره المخرج التلفزيوني:

- أنت فين.. الأستاذ فؤاد المهندس سأل عليك، ومش هيصور من غيرك

- صعب، أنا مروح من الاستوديو امبارح 3 ألفجر، وكمان أنا ميعادى 2 الضهر

- لو مجتش هرفدك، إنت لسه مخرج تحت التمرين يا حسام

- ارفدني

نبرة التهديد لم تجد خضوعًا من المخرج الشاب، وملثما تأتى الأفكار العظيمة فى دورات المياه، تظهر القرارات المصيرية فى مكالمة تليفون، كان رد حسام على فرصته الأولى بعد التخرج فى معهد ألفنون المسرحية، خسارة كبيرة لهذا الشاب الذى انتبه لإصرار نجم كبير مثل فؤاد المهندس، على تواجده فى الأستوديو، والأدهى أن الأستاذ يهدد بتوقف التصوير إذا لم يحضر.

رايح أجيب الديب من ديله

قبل 24 ساعة من تلك المكالمة، كان حسام متواجدًا فى أستوديو 6، فى أول عمل له كمساعد مخرج تحت التمرين فى حلقات «فوازير عمو فؤاد»، وكانت مهمته مراجعة الحوار مع نجمى العمل فؤاد المهندس، ومشيرة إسماعيل، وفى البدايات تصنع الموهبة والحماس ثنائيًا لفرصة العمر، فى حضرة صانع البهجة يخرج حسام طاقته الإبداعية، يندمج فى شرح المشهد والحدوتة التى هضمها، والأستاذ يتابعه من تحت عدسات النضارة، وهو يشاركه فى إضافة إفيهات مضحكة لفوازير مصطفى الشندويلي، الشاب العشرينى «رايح يجيب الديب من ديله»، في  حضرة «عمو فؤاد»، والمخضرم يدعمه بالابتسام.

يتصادف مرور المخرج محمد رجائي، فى استوديو6، ليشاهد مساعده يوجه فؤاد المهندس، «بتقولوا مين يا ولاد؟.. فؤاد المهندس»، كيف فعلها هذا الشاب القادم حديثًا من المعهد، ويعطى ملاحظات فى التمثيل لأستإذ التمثيل فى مصر، يحأول أن يصحح شذوذًا فى قاعدة «الأستاذ يعرف أكثر»، ويأخذ حسام فى إحدى الأركان يوبخه على فعلته:

- أنت دورك تراجع الحوار بس، ولا من حقك حتى تقول رأيك، إحنا شغالين مع الأستاذ بقالنا كام سنة، عُمر ما حد قال له ملحوظة.

يحاول حسام أن يدافع عن موهبته وثقافته ومخزون إبداعه، وأشياء أخرى تدعم موقفه، لكن سبقه الأستاذ فؤاد المهندس صارخًا فى المخرج الذى قدم معه سلسة «فوازير عمو فؤاد»:

- يا رجائى سيب حسام يقول ملاحظاته، ده بيفهم فى الضحك وبيفهم فى التمثيل ده مختلف.

تلك الجملة لم تكن تحفيزًا لحسام فقط، بل شهادة ميلاد فنية، وكارت توصية مكتوبا بماء الذهب، لقد أقر الأستاذ بقدراته الإخراجية، وموهبته الكوميدية، مإذا يريد من يتلمس الخطى فى بدايته ألفنية سوى إشادة مثل تلك، بالطبع مصطلح السعادة فى هذا اليوم احتكره مساعد المخرج الجديد، لكن بعد انتهاء عمل المهندس فى العاشرة مساءً، قابله جفاءُ من مساعدى الإخراج، حتى رجائى نفسه لم يكن مرتاحًا لما أقدم عليه مساعده، واستكمل حسام عمله حتى الثانية صباحًا، ولك أن تتخيل مراجعته لتفاصيل اليوم فرحًا، فى طريقه لمنزله فى شارع الجمهورية.

عمو فؤاد رايح يصطاد

بعد 40 دقيقة من مكالمة غاضبة، وقرار رفت نهائي، يشعر جرس الباب بالغيرة من رنين التليفون، يستيقظ حسام للمرة الثانية، وكأن نوم هذا الشاب يؤرق العالم، بين اليقظة والخيال يفتح باب الشقة، ليجد أمامه الأستاذ فؤاد المهندس.

لو كان التصوير المجسم «الهولوجرام» موجودًا فى الثمانينات، كان سيصدق أن الواقف على بابه حزمة من الموجات الضوئية تأخذ شكل فؤاد المهندس، لكن أن يقف المهندس شخصيًا بشحمه ولحمه فكرة يأبى العقل تخيلها، يخرج حسام من ارتباكه ودهشته على صوت الأستاذ، وهو يعزم نفسه على فنجان قهوة فى بيته.

«عندما اختلف عادل إمام مع عبد المنعم مدبولي، وطرده من المسرح، روحت له البيت فى حارة الصناديلى بالجيزة، أنت تانى وأحد أروح له البيت»، كارت توصية جديد بماء الذهب يحصل عليه حسام من الأستاذ فؤاد المهندس، الغول يترك مسرحه من أجل رحلة صيد لموهبة جديدة يقدمها للجمهور، لم يبخل على شاب صار بعد سنوات زعيمًا للضحك، والآن «عمو فؤاد» يشيد بعمله فى ألفيديو، ويتوقع له نجاحًا كبيرًا فى السينما.

خبر عن لقاء فنى بين فؤاد المهندس وعادل إمام

امتدت الجلسة إلى وجبة غداء تنأولا فيها السمك، ودار حديث مطول عن مشواره ألفني، وقصته مع شويكار، ولأن الأستاذ ذواق للأثاث الراقى وتناغم الألوان، أبدى إعجابه بذوق حسام فى اختيار الأثاث. إشادة تلو الأخرى مهدت الطريق لفرصة العمر، عندما عيّنه الأستاذ مخرجًا ومديرًا لفرقته المسرحية، شاب فى العشرين صار بين يوم وليلة، صاحب القرار ألفنى والمادى فى مملكة أشهر نجم كوميدى فى مصر.

يا حتة مارون جلاسيه

فى منزل فؤاد المهندس بالزمالك، يشاهدا الفيلم الأمريكى «آني»، فتاة بائسة فى دار أيتام، يقع الاختيار عليها لتسلية رجل الأعمال القاسى «أوليفر ويرباكس».

بعد انتهاء الفيلم يحاولان الوصول لمعالجة مناسبة لتمصير العمل، ويبدأ حسام عمله كمخرج فى متابعة مراحل الكتابة مع «يسرى الإبياري»، لكن الأخير يرفض ملاحظات المخرج الشاب، وتركيزه على علاقة فؤاد المهندس بالأطفال، بينما الكاتب يرى الأمر أقرب لمسرح الطفل، ويختلف عن معايير المسرح الخاص، وبعد مناوشات ينسحب الإبيارى عندما يجد أن فؤاد المهندس ينحاز لصف تلميذه الجديد، ويستكمل الكتابة «عبد الرحمن شوقي».

النسخة السينمائية لهالة حبيبتى فيلم Annie 1982

فى رحلة صناعة مسرحية «هالة حبيبتي»، يضع حسام لمساته فى مشاهد الكلب «جعلص»، والأستاذ يستحضر أسماء فنانتين من الأربعينيات، ويجعلهما مادة لإفيه متجسدًا فى طفلة اسمها «رتيبة وإنصاف رشدي».

من أجل «هالة حبيبتي» تحضر 1000 فتاة إلى مسرح الزمالك، وتبدأ عملية البحث عن بطلة تشارك الأستاذ خشبة المسرح، لكن فى النهاية يذهب الدور إلى طفلة فى العاشرة «رانيا عاطف»، بتوصية من «أبلة فضيلة»، وخلال ستة أشهر تم تدريبها مع باقى البنات على الجمباز، والاستعراضات، ومخارج الحروف يتكفل بها «عمو فؤاد».

رانيا عاطف والكلب جعلص

كل المؤشرات كانت تقول أن النجاح حليف ذلك المشروع الفني، لكن حمدى غيث، نقيب الممثلين آنذاك، يعترض على المخرج الشاب، وللمرة الثانية يدعمه المهندس، ويأتى حسن عبد السلام مشرفًا فنيًا، ويستمر حسام فى الإخراج، وفى ليلة العرض الأولى يتابع طقوس الأستاذ قبل رفع الستار، رجل لا يهدأ، يذهب ويجيء فى أرجاء المسرح، وهو يقرأ القرآن.

رغم جودة المنتج لم ينجذب النجاح التجارى لخلطة فؤاد المهندس الجديدة، لم تنجح الرواية جماهيريًا، وتجاهل النقاد الكتابة عن العرض، ويخسر المهندس وشريكته أيفون جبرة أموالهما، وتغلق الرواية، لكن بعد ذلك تحدث سابقة فى تاريخ المسرح، تعود الرواية للنور.. لكن تلك المرة بقرار وزاري.

ونستكمل حكاية هالة حبيبتى مع القرار الوزارى فى الجزء الثاني.

اقرأ المزيد

فتحى غانم.. قليل من «الصحافة» كثير من «الأدب»

حكاية «نص مليون جنيه» تائهة فى كواليس رأفت الهجان

مإذا فعلت الأيام بـ«عمرو الدجوي»؟