التوقيت الخميس، 18 أبريل 2024
التوقيت 07:58 م , بتوقيت القاهرة

ثروت عكاشة..الوزير..ذكرى الرحيل السادسة

نستعرض في هذا التقرير بعضا من سيرة المثقف العظيم الراحل ثروت عكاشة..وزير الثقافة - بالألف واللام- الذي عرفته مصر ولا تقدر الأجيال الجديدة على نسيانه..هنا نستعرض سيرته ومواقفه.


من كتابه الفن والحياة، الذي كان محاضرة ألقاها ببهو قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة يوم الأربعاء 6 مارس 1996 خلال الموسم الثقافي، قال ثروت عكاشة: الفن يكاد يكون ضرورة من ضرورات الحياة، شأنه في ذلك شأن الخبز سواء بسواء، بل قد يكون أوجب للحياة من الخبز نفسه.


لا تذكر كلمة وزارة الثقافة، إلا إذا اقترن بها "ثروت عكاشة" الذي حانت يوم الأربعاء 28 فبراير، ذكرى رحيله عام 2012، ولا تتذكر الأجيال الحالية الرجل إلا حينما تتذكر أعماله المهمة عن الفنون الأوروبية التي حملت عنوان :موسوعة تاريخ الفن العين تسمع وترى" فنون عصر النهضة " الرينسانس" أو مرحلة الإحياء والبعث، والتصوير الإسلامي المغولي في الهند، والفن المصري القديم وغيرها من الكتب الكبيرة والمهمة الأخرى.


وُلد ثروت عكاشة في القاهرة عام 1921، وتخرج في الكلية الحربية عام 1939، ثم في كلية أركان الحرب عام 1948، حصل على دبلوم الصحافة من كلية الآداب جامعة فؤاد الأول عام 1951، ونال درجة الدكتوراه في الأدب من جامعة السوربون بعدها بتسع سنوات، عام 1960.


ثروت عكاشة ومحمد نجيب من كتابه مذكراتي في السياسة والثقافة


قبلها بعامين تولي عكاشة وزارة الثقافة بين عامي 1958 و1962، ثم ترأس المجلس الأعلى للفنون والآداب، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي للمصري بين عامي 1962، و1966، ثم عاد لمقعد وزارة الثقافة بين عامي 1966 و1970.


مناصب عديدة تولاها ثروت عكاشة، ومقاعد مهمة في منظمات ثقافية شغلها، منها عضويته في منظمة اليونيسكو كما انتخب زميلا مراسلا بالأكاديمية البريطانية الملكية عام 1975، وعمل نائبا لرئيس اللجنة الدولية لإنقاذ فينيسيا وآثارها بين عامي 1969 و1978.


بنظرة عامة وخاطفة من الوهلة الأولى، يُحار المرء أي مؤلف من المؤلفات يختارها لاستعادة هذه الآثار الثقافية الهائلة التي تركها لنا صاحب مقولة الفن أوجب من الخبز، ففي كتابه الفن والحياة، يبدو عكاشة كأنه يتحدث عن عالم اليوم، حينما يقول: من الناس اليوم من لا يأبه لما هو جميل، فلم يعد بعض الناس في هذا العصر- عصر المصانع والآلات والتكنولوجيا يجد متعة في اللوحات الجميلة والتماثيل البديعة ولا في تلك المباني الضخمة من معابد وهياكل وقصور.


الفن والحياة


في كتابه المهم "مذكراتي في السياسة والثقافة" تتوقف كثيرا أمام الكم الهائل من الـتأريخ والتوثيق لمجريات الحياة السياسية في مصر، فالكتاب يبدأ من انتسابه لسلاح الفرسان، والتحاقه بكلية أركان الحرب، وتعرفه على عبد الناصر، والتحاقهما فيما بعد بجماعة الإخوان، وحرب فلسطين، وإرهاصات تحركات يوليو 1952، وحريق القاهرة، ونية عبد الناصر للاستيلاء على القاهرة والخوف من تدخل الإنجليز.


يقول عكاشة في مقدمة المذكرات: ما أصدق المثل القائل بأن الشجرة حين تشيخ تدب الشيخوخة أول ما تدب في رأسها، وما أشبه هذه الرأس بالذاكرة من الإنسان، ولم يطف في ذهني وأنا أسجل واقعة أن أشوه سمعة إنسان، أو ألصق به ما هو منه براء، فما أصدق جوته حين قال إن المرء حين يبلغ به العمر مبلغه ويعود بذاكرته إلى الوراء، يرى أنه لم يكن ثمة خطأ إلا وارتكبه.


وثروت عكاشة أحد المشاركين في ثورة 23 يوليو، يتحدث كثيرا في مذكراته عن دوافعه وزملائه للتحرك في تلك الليلة التاريخية لإصلاح البلاد، وهو بكل نبل في مذكراته يعترف أن مشاركته فيها لا تعني أن يكون مدافعا دائما عن كل ممارساتها، بكل ما كان فيها من خطأ جاوز الصواب، ويشير إلى أنه لا يجد حرجا في اعترافه أنه خلال فترة ثورة يوليو وخلال فترة مركزية السلطة قد وقع ما لم يكن ينبغي أن يقع.


غلاف كتاب مذكراتي في السياسة والثقافة


يحكي ثروت عكاشة في مذكراته بعذوبة آسرة عن سنوات عمله في سويسرا وباريس ملحقا حربيا، يقدم الفصول بأبيات من الشعر، واصفا كل موضع من هذه المواضع، ومن ذلك ما كتبه في تقديم فصل عمله في باريس لألفونس كار: ليس عاشق باريس هو من يحب الإقامة فيها، بل هو من لا يطيق فراقها"، ثم بعد ذلك يتناول إقامته في باريس بأسلوب لا يخل من الإشارة إلى المبدعين والمثقفين والفنانين والشعراء الذين اختلفوا إلى الموضع الذي سكن فيه بالحي السادس عشر بالعاصمة الفرنسية، يقول عكاشة: إذا كان هذا الحي السادس عشر قد خلا من الآثار المعمارية الشامخة، التي تضمها أحياء باريس الأخرى، فحسبه أنه كان على مر العصور منتجع رجالات كان لهم شأنهم في التاريخ فنا وعلما وأدبا وسياسة، إذا اختلف إليه موليير وراسين وبوالو كما كان بونابرت ولعا به، وكذلك الأديب الرومانسي تيوفيل جوتييه، وكان السكن الدائم لكل من بول فاليري وأناتول فرانس.


ثروت عكاشة وجمال عبد الناصر


نتابع هنا بشغف كيف اتخذ ثروت عكاشة عدة قرارات أحيت العمل بالوزارة، لإنقاذ النشاط الثقافي الذي جاء لإصلاحه، ومن ذلك دمج كافة شركات النشر بالوزارة في شركة واحدة للطباعة والنشر هي دار الكاتب العربي تولاها الأستاذ محمود أمين العالم، يعلق ثروت عكاشة في مذكراته على عدم وجود خطة واضحة لإصدار الكتب ذات الأهداف المحددة، ووضع خطة ركزت على الشباب والأطفال فأصدرت للشباب سلاسل منها سلسلة "اقرأ علما" لتبسيط العلم بالاتفاق مع مؤسسة "لونجمان"البريطانية.


في هذا الجزء من مذكرات ثروت عكاشة، خير دليل لمن يرغب في تنظيم فوضى النشر الحاصلة حاليا في وزارة الثقافة، وقطاعاتها، لمن أراد إصلاحا، وكذلك يمكنه الاهتداء باستراتيجيته لإصلاح حال الفرق المسرحية، خاصة في ذلك الجزء الذي يرويه عن فوضى فرق المسرح التي ازدحمت في القاهرة وتنافست، وزادت أكثر من النصوص الجيدة، وتركزت في القاهرة وذبلت في الأقاليم.


دفاعه عن الأعمال المسرحية وحمايتها من الإيقاف


من المواضع المهمة في ذلك الجزء من مذكرات عكاشة، ما يرويه عن تعرضه لحملة من رجال الأمن ومن الاتحاد الاشتراكي وتعرضه للهجوم من زملائه الوزراء، لسماحه بعرض مسرحيات " اللي قتلت الوحش" لعلي سالم" ومسرحية عبد الرحمن الشرقاوي "الفتى مهران" ومسرحية "ثورة الزنج" لمعين بسيسو، يقول عكاشة في مذكراته: كم من مرة استهدفت للهجوم من بعض زملائي الوزراء ولا سيما من كانوا منتظمين بالتنظيم الطليعي لسماحي بعرض هذه المسرحيات بدعوى تعريض النظام لموجة من السخط لا يعلم مداها إلا الله على حد تعبير أحدهم، وكأنه فاته أن الشعب على علم بما يجري بين يديه وليس في غفلة عما يدور حوله، ولقد تمسكت بموقفي وإيماني بضرورة منح الفن حرية التعبير عن هموم الشعب وأحلامه في مثل هذه الظروف الحرجة التي كنا نجتازها، وكم تكرر تعرضي للنقد من وزراء آخرين غير الزميل المسؤول عن الأمن، دون أن يزحزحني هذا عن موقفي قيد أنملة، ولم يحدث أن أذعنت لهذه الآراء المضادة أو أوقفت عرض أية مسرحية من المسرحيات إلا في القليل النادر الذي كنت أقتنع فيه برأس الرافضين.


يحكي عكاشة عن تصديه لتقارير وزارة الداخلية والاتحاد الاشتراكي التي طالبت بوقف عرض مسرحية "ثورة الزنج" وتدخله عند عبد الناصر لأقناعه أن وقف عرضها، سيكون أكثر إثارة للقيل والقال من الاستمرار في عرضها، فوافقه عبد الناصر على رأيه واستمر عرض المسرحية.


رحم الله الوزير..ثروت عكاشة


اقرأ أيضا


"يوما أو بعض يوم" لمحمد سلماوي..وحكاياته الصادقة بين السطور


استراتيجية النشر الحائرة فى وزارة الثقافة..فضيلة التنسيق الغائبة بين مسؤولي الوزارة