التوقيت الخميس، 18 أبريل 2024
التوقيت 10:18 م , بتوقيت القاهرة

محمد صلاح..محقق الوعود..جابر الخواطر..ورسول البهجة

فى مطلع هذا الشهر، كتب الطفل البريطاني أوسكار في واجبه المدرسي، كلمات تنتهي بأحرف " ng" التي تنتهي بها كلمة "ملك King" بالإنجليزية، ورسم في صفحة كراسته لاعبا يرتدي تاجا، في إشارة إلى "محمد صلاح" وكتب أعلاه Mo Salah" لاعب جناح ليفربول وهو يجري بالكرة ويناور.


أخذت سارة ماري والدة أوسكار صورة لكراسته، ووضعتها على تويتر، و"منشنت" محمد صلاح، وكتبت رسالة قصيرة في تغريدة لها: أوسكار يأمل أن يرى محمد صلاح كراسته، وكذلك الأهرامات.


 



 


أجاب محمد صلاح على تغريدة الأم، ولبى دعوة أوسكار لزيارته، كتبت الأم على تويتر: قضى صلاح المساء مع أوسكار، الذي اعتبر تلك الليلة أفضل ليلة عاشها في حياته، والتقط معه صورة "سيلفي" ليدلل بها على أنها لم تكن حلما.


كتبت الأم: هاهي صورتنا مع محمد صلاح، نشكرك للغاية، لن ننسى أبدا ليلة أمس، هذه أفضل أيام أوسكار كما يقول هو نفسه، لقد كانت أغلى أمنيته أن يلقاك.


الطفل أوسكار


ووضعت الأم بجوار تغريدتها علم مصر، والأحرف الأولى التي تشير إلى نادي ليفربول، هذه القصة المختصرة التي تداولتها الصحف اليومين المنقضيين لا تحدثنا فقط عن أثر محمد صلاح في محيط من حوله، بل تحدثنا عن التحول الجديد الذي صنعه ابن قرية نجريج، إحدى قرى مركز بسيون، محافظة الغربية.


سيلفي مع محمد صلاح


هذا التحول الذي أحدثه صلاح، ترك أثاره مثل نوة بحر عاصفة، في عدة مواضع، منها "الأجيال الجديدة" والمستقبل، بل أنه ترك أثره في عالم التكافل الذي كان قاصرا في الماضي على منظمات المجتمع المدني، تحول محمد صلاح في بضعة سنوات إلى مؤسسة كاملة على قدمين، وليس هدف هذه السطور التوثيق لما تم توثيقه من قبل من جهوده وتبرعاته، وتدخلاته لحل مشكلات أبناء قريته، أو أبناء محافظة الغربية، وتوزعت هذه التبرعات ما بين تبرعات للاعبين القدامى، أو لإنشاء معاهد تعليمية، في الغربية، وكذلك مشاركته في حملات مكافحة المخدرات.


يمكننا إذا أردنا أن نبتكر تسمية أخرى للأمل، يمكننا أن نمنحها اسم "محمد صلاح" بكل أريحية، إذا أردنا أن نربط بين اسمه وبين كل المعان المفرحة في حياة المصريين على مدار الأشهر القليلة المنقضية بعد صعودنا إلى كأس العالم لأول مرة منذ 27 عاما، انظر إلى دموع المصريين الذين بكوا مع هدفه، وانظر أيضا إلى القلوب التي كادت أن تتوقف عن الخفقان قبل أن تحقق قدمه الهدف المنشود، وانظر طوفان المشاعر الجياشة الذي فاض في الشوارع، هذا الحب، هذا التعلق، وهذا الانتظار الطويل لفرح عابر، لكنه محبب، ويربت على القلوب الملتاعة.


محمد صلاح يلقي كلمة بعد فوزه بجائزة أفضل لاعب أفريقي 2017


يقول الكاتب الأورغوياني إدوارد غاليانو في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل": اللاعب يركض لاهثا على شفير الهاوية في جانب تنتظره سماوات المجد، وفي الجانب الآخر هوة الدمار، الحي الشعبي الذي خرج منه يحسده بأسره: فاللاعب المحترف قد نجا من العمل في المصنع أو المكتب، إنهم يدفعون له من أجل توفير التسلية، لقد ربح اليانصيب، وعلى الرغم من أنه يتوجب عليه أن ينضح عرقا، دون أن يكون له الحق في التعب أو الخطأ، فإنه يظهر في الصحف وفي التلفزيون، وتردد الإذاعات اسمه، والنساء يتنهدن من أجله، والأطفال يريدون تقليده، أما هو الذي بدأ يلعب من أجل متعة اللعب، في الشوارع الترابية للأحياء الهامشية، فقد صار يلعب الآن في الاستادات الكبرى، من أجل واجب العمل، وهو مجبر على الربح أو الربح.


 


غلاف كتاب كرة القدم بين الشمس والظل


يحقق محمد صلاح الوعود، فيمنح فانلة لطفل مشجع في الاستاد، ويجبر الخواطر، فيرضي المصريين، ويمنحهم ما كانوا يأملوه، من تأهل بعد غياب عقود عن أهم مناسبة كروية في العالم، يرضي الكبير، الذي انتظر طيلة شبابه أن تتأهل بلده لكأس العالم، ويفرح الصغير، الذي لم يكد يلعب الكرة في النادي، حتى يتخذ منه قدوة وهدفا يرغب أن يكون مثله حينما يكبر، يحوّل صلاح بوصلة الأمل تجاه الحياة، ويحقن شرايين هذا الجيل بأدرينالين البهجة، يقول غاليانو في وصف المشجع: مرة كل أسبوع يهرب المشجع من بيته، ويهرع إلى الاستاد، ترفرف الرايات ، تدوي النواقيس الخشبية، والألعاب النارية والطوبل، المدينة تختفي، الروتين ينسى، ومع أن المشجع يستطيع مشاهدة المعجزة براحة أكبر على شاشة التلفزيون، إلا أنه يفضل أن يحج إلى هذا المكان حيث يمكنه أن يرى ملائكته بلحمهم وعظمهم وهم يتبادلون الركل، المشجع يهمس بصلوات ولعنات، ثم يمزق حنجرته فجأة بهتاف مدو، ويقفز مثل برغوث معانقا المجهول الذي يجلس بجانبه، معلنا الهدف، نادرا ما يقول المشجع: اليوم سيلعب نادي، إنه سيقول "اليوم سنلعب نحن.


 



 "محمد صلاح" المادة الخام للأمل، والنجاح، مبعوث البهجة إلى المصريين، في الزمان الصعب، يحوّل انتباه من لا يهتم بالكرة إليها، يجذب الأبصار إلى نجاحاته، يصبح هوية جديدة للمصريين إذا سافروا، وإذا عّرفوا أنفسهم بأنهم مصريين، فيهتف محدثهم: أنت من بلد محمد صلاح، الملك، الفرعون، المحبوب، أنت من بلد المحبوب، هل تتابع محمد صلاح؟ هل رأيت أهدافه؟ يلاحقك هذا الشعور العجيب، كيف تكون مصريا ولا تعرف من هو محمد صلاح؟ 


وكيف تتابع شأنك اليومي بعيدا عن الأحداث التي تتلاحق مما يحققه محمد صلاح، حتى كاتب هذه السطور الذي لم يهتم يوما بالكرة، بات يسأل عن نجاحات صلاح، وعن تلك الأهداف التي يصفونها بالمعجزة، أو بالمستحيلة، كيف ناور حارس المرمى في منطقة "الستة ياردة" هذا الحرم المقدس الذي يستحيل معه النيل من حارس، لكن صلاح فعلها، فأذهب إلى "يوتيوب" لأشاهد "خطفة العين" التي يحرز فيها صلاح، المستعد دائما لإصلاح ما أفسده زملائه من أهداف ناقصة، ترتطم فيها الكرات وتعود خارج المرمى، فيكون هو هناك مستعدا لتتلقفها قدماه، وتحرز، انظر كيف ينفرد ويواجه، انظر كيف يعدو ولا يبالي، ثم انظر هذا الشغف الذي يسري عبر قدميه، وتلك الطاقة المغناطيسية التي تسيطر على الكرة بينما تستجيب لأوامر التسديد، ثم انظر كيف يركنها في الزاوية اليسرى إلى يمين، أو الزاوية اليمنى إلى يسار الحارس، وانظر كيف تتفتح الدنيا، كيف تنبض المدرجات، بملايين الدقات الخافقة لقلوب الجماهير، التي تزدهر مثل الورود المتفتحة، حينما تهتز الشباك.


 


اقرأ أيضا:


من خلال شعبيته الجارفة.. كيف أصبح صلاح أحد أذرع مصر الدبلوماسية؟